لم يحجب رصد التطورات الجنوبية بفعل قيام إسرائيل بما تسميه «عملية درع الشمال» بحثاً عمّا تزعم انه أنفاق حفرها «​حزب الله​»، تواصل الاتصالات والمشاورات بحثاً عن الآلية القادرة على نزع فتيل ما تبقى من ألغام مزروعة على طريق ولادة الحكومة، وقد انشغلت الاوساط السياسية في الساعات الماضية بأفكار يتم العمل على بلورتها علّ وعسى ان تؤدي إلى إحداث كوة في جدار أزمة التأليف التي طال امدها وبدأ يرخي بظلال من الخوف على القطاعين الاقتصادي والمالي.

وإذا كان مختلف الأطراف المعنية بقيت حتى مساء أمس متمترسة وراء مواقفها، فإن ما أعلن من مقر الرئاسة الثانية عن تأييد الرئيس نبيه برّي لفكرة تأليف حكومة من 32 وزيراً شكل فسحة لإعادة تحريك مياه التأليف الراكدة، كونها تشكل حلاً من الممكن ان يقبل به كل المعنيين وبذلك توضع مسألة التشكيل على السكة الصحيحة.

كيف نبتت فكرة الـ32 وزيراً؟

وفق مصادر عليمة فإن صاحب هذه الفكرة كان ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​، فيوم تكليف الرئيس ​سعد الحريري​ تأليف الحكومة التقى الرئيس عون رئيس مجلس النواب بعد انتهائه من مرحلة ​الاستشارات النيابية​ وأطلعه على ما آلت إليه هذه الاستشارات، وخلال الاجتماع بادر رئيس الجمهورية الرئيس برّي بالقول ما رأيك دولة الرئيس بتشكيل حكومة من 32 وزيراً تمثل كل القوى السياسية، فجاء ردّ الرئيس برّي بالإيجاب، وفي هذا الوقت كان الرئيس الحريري في طريقه إلى ​قصر بعبدا​ لإبلاغه بنتائج الاستشارات، وقد فاتح الرئيس عون الرئيس الحريري برغبته بأن تكون الحكومة مؤلفة من 32 وزيراً، لم يعطه الرئيس الحريري جواباً فورياً وقال له دعني أفكر بالموضوع.

وفي اليوم التالي لجولته على رؤساء الحكومات السابقين بدأ الرئيس المكلف استشاراته النيابية في مجلس النواب وكان أوّل من التقاهم الرئيس برّي الذي بادر بسؤال الرئيس الحريري عن رأيه بطرح رئيس الجمهورية فرد الرئيس الحريري قائلاً: «لا استطيع «المشي» بهذه الفكرة لا بل أرفضها بشكل قاطع».

أمام رفض الرئيس الحريري طويت الفكرة، وبدأ العمل على تأليف الحكومة بعد استمزاج الرئيس المكلف رأي القوى السياسية والكتل النيابية حيث برزت عقدة «القوات» ومن ثم ​العقدة الدرزية​ واستمر الوضع على هذا النحو لما يقارب الخمسة أشهر على التكليف إلى ان حلت عقدة «القوات» بقبولها بأن تمثل بأربعة وزراء، بعد ان كانت قد حلت العقدة الدرزية من خلال ايداع كل من رئيس ​الحزب التقدمي الاشتراكي​ ​وليد جنبلاط​ والنائب ​طلال أرسلان​ أسماء لدى رئيس الجمهورية وقبولهما بأي اسم ينتقيه الرئيس عون. وفي ضوء هذه التطورات بدأ الحديث وكأن تأليف الحكومة أصبح في قبضة اليد إلى ان برزت ما سمي بعقدة نواب السُنَّة الستة المستقلين الذين طالبوا بتمثيلهم في الحكومة مع العلم ان الرئيس برّي كان قد اثار هذه المسألة مع الرئيس الحريري مع بداية رحلة التأليف.

وامام هذه العقدة وإقفال الأبواب بوجه ولادة الحكومة نتيجة التصلب في المواقف عادت فكرة الـ32 وزيراً لتطل برأسها من جديد، وهذه المرة في الاجتماع الأخير الذي جمع الرئيس برّي بالوزير ​جبران باسيل​ في ​عين التينة​، وقد أبلغ رئيس المجلس وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال بأنه لا يمانع بإعطاء الوزيرين إلى الرئيس الحريري، وعندما علم الرئيس المكلف بعودة احياء فكرة الـ32 وزيراً وأن الوزيرين الاضافيين سيكونان من حصة الأقليات و​الطائفة العلوية​ بقي متمسكاً برفض فكرة توسعة إطار الحكومة حتى ولو كانا من حصته بحسب ما طرح الرئيس برّي.

وبما ان الرئيس عون لا يرغب بأن يأتي الحل من جيبه، طلب من الوزير باسيل القيام بجولة جديدة على القوى السياسية حيث طرح مجموعة أفكار من بينها استبدال وزير سنِّي بوزير شيعي، بمعنى المقايضة، الا ان هذا الطرح دفن في مهده، وكذلك فكرة الـ32 لم تبصر النور، بالتوازي بقي الحريري يرفض بشكل نهائي مشاركة سُنَّة ​8 آذار​, هذا التصلب في الموقف للرئيس المكلف حمل النواب السنة المستقلين إلى رفع منسوب مطالبهم بحيث لم يكتفوا بطلب التمثيل بل زادوا على ذلك طلب الحقيبة وأنهم هم من يحددونها.

وبحسب المصادر فإن الرئيس برّي كان أبلغ الوزير باسيل بأن الكرة باتت في ملعب الرئيس عون من خلال تخليه عن الوزير السني من حصته، غير ان جواب باسيل كان سلبياً من خلال تأكيده بأن حصة الرئيس لا تمس، كما ان الثنائي الشيعي رفضا مبدأ المقايضة، وهنا عادت الأمور تتعقد.

خلال الـ48 ساعة الماضية أطلقت فكرة حل حيث بدأت تظهر إشارات من قصر بعبدا مفادها بأن الرئيس عون مستعد لكي يتنازل عن الوزير السني ويعطيه لسنة 8 آذار، لكن الرئيس الحريري كان متصلباً في موقفه حيث اشترط بأن يكون هذا الوزير ليس من ضمن النواب الستة بل يسمونه من خارجهم، وهذا بالنسبة لحزب الله والنواب الستة من سابع المستحيلات وهم لن يقبلوا الا بتمثيل واحد منهم مباشرة في الحكومة.

وفي رأي المصادر ان مسألة التأليف مجمدة في الوقت الراهن حيث أن أي حركة جديدة ستكون من دون بركة، فالرئيس المكلف سيسافر إلى فرنسا في التاسع من الشهر الحالي، ومنها سينتقل إلى لندن للقاء ​رئيسة وزراء بريطانيا​، وفي خضم انشغالات الرئيس الحريري تكون البلاد قد دخلت في عطلة الأعياد حيث يغادر غالبية السياسيين إلى الخارج لقضاء هذه العطلة وبذلك لن يكون هناك من إمكانية لتأليف الحكومة قبل نهاية هذا العام حيث لا إمكانية لتلوينة حكومية جديدة اللهم الا إذا بادر الرئيس عون وقال للنواب السنة المستقلين تفضلوا هذا وزير من حصتكم، كون ان قرار حزب الله المتخذ والذي لا رجوع عنه انه لن تشكّل حكومة ونواب سنة 8 آذار خارجها.