لم يجد المسؤولون اللبنانيون، بعد مرور أكثر من أسبوع على اطلاق ​اسرائيل​ عملية "درع الشمال" لتدمير ما تزعم انها أنفاق ل​حزب الله​ على الحدود اللبنانية-الاسرائيلية، أنفسهم معنيين بعقد اجتماع استثنائي للبحث بالمستجدات. فلا الحكومة التي يتيح لها الدستور الانعقاد في حالات الطوارىء وجدت أن التهديدات شبه اليوميّة بتوسيع العمليّة لتطال أراضٍ لبنانية بالطارىء، ولا حتّى السياسيين المنشغلين بشدّ الحبال الحكومي ارتأوا عقد لقاء استثنائي لبحث المستجدّات التي تهدّد باندلاع حرب مفتوحة، ليكون بذلك لبنان الرسمي في "شبه غيبوبة" خرقها الحراك الذي يقوم به قائد الجيش ​العماد جوزيف عون​ وطلب وزارة الخارجيّة من مندوبة لبنان في ​الأمم المتحدة​ تقديم شكوى جديدة ضد اسرائيل.

وتنص المادة 64 من الدستور اللبنانيّ بشكل واضح وصريح على أن حكومة تصريف الأعمال لا تمارس صلاحيّاتها قبل نيل الثّقة، ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة الّا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال، كما لا يحقّ لها ان تجتمع طوال هذه الفترة الّا في حالات الطوارئ لاتخاذ قرارات استثنائيّة. وبالتالي فإنّ السجال الذي اندلع مؤخرا على خلفية دعوة "​القوات اللبنانية​" الى عقد جلسات "ضروريّة" لحكومة تصريف الأعمال على غرار جلسات "تشريع الضرورة"، يتوجب أن ينحصر في هذه الحالة مع تأكيد الدستوريين على أحقيّة اجتماع الحكومة في ظرف كالذي نمرّ به باعتبار اننا بصدد مسألة تتعلق بالسّيادة اللبنانيّة، قد تمهد لاندلاع مواجهات مسلحة بين الجيشين اللبناني والاسرائيلي او بين اسرائيل وعناصر حزب الله، ما من شأنه أن يتطوّر الى حرب مفتوحة.

وبعد أن كان المسؤولون اللبنانيون يقاربون موضوع "الأنفاق" باعتباره "إدّعاءات إسرائيلية"، جاء بيان "اليونيفل" الأخير داعمًا لهذه الادّعاءات والمزاعم، ما بات يستدعي بحسب مصدر سياسي بلورة موقف لبناني موحّد لأنّ خلاف ذلك سيجعل الموقف الاسرائيلي هو الأقوى أمام المجتمع الدولي. ويشير المصدر الى أهميّة صدور موقف لبناني رسمي، سواء عبر حكومة تصريف الأعمال أو رئاسة الجمهوريّة أو من خلال اجتماع ثلاثي يضم رؤساء الجمهورية العماد ​ميشال عون​ والمجلس النيابي نبيه برّي وحكومة تصريف الأعمال ​سعد الحريري​، يؤكد على أحقيّة لبنان باتّخاذ كل الاجراءات والتدابير داخل أراضيه التي تندرج باطار الدفاع عن النفس خصوصًا وأن جزءا من أراضيه لا يزال محتلا، مع التذكير بالخروقات الاسرائيليّة اليومية للقرار 1701 من خلال انتهاك الأجواء اللبنانية من دون أن يكون هناك أيّ موقف دولي لإلزام اسرائيل بتطبيق هذا القرار.

وتعتبر مصادر أخرى أن ​الدولة اللبنانية​ في موقع المُحرج وانها بغنى عن فتح هذا الملفّ داخليًّا، ما يزيد تعقيد المشهد المعقد نتيجة الكباش السياسي حول الحكومة الذي اشتد مؤخرا. وتضيف المصادر، "سيكون على الدولة في حال قررت التعامل مع المستجدّات بشكل جدّي، الاطلاع عن كثب على هذه الأنفاق بمحاولة للتأكيد للمجتمع الدولي مثلا أنه تم حفرها قبل العام 2006 أيّ قبل صدور القرار 1702، لكن لا شك أن زيارة هذه الأنفاق من الجهة اللبنانية لن يكون متاحا، كما التأكد من تاريخ حفر الأنفاق". وسيفتح أيّ نقاش داخلي من هذا النّوع الباب واسعا أمام العودة الى البحث بالاستراتيجيّة الدفاعيّة، التي ترى مصادر رسميّة أن "التوصّل لأيّ اتّفاق أو تفاهم بشأنها بات أصعب من أيّ وقت مضى، نتيجة "فائض القوة" الذي يشعر به حزب الله والذي بدأ يترجمه باللعبة السياسيّة".

وبناء على كل ما سبق، ترجّح المعلومات أن تتمسّك الدولة اللبنانية بالسياسة التي انتهجتها منذ انطلاق عملية ما قيل أنّ اسمه "درع الشمال"، لجهة توكيل وزارة الخارجيّة بشكل اساسي التواصل مع الامم المتحدة والمجتمع الدولي لتجنب أيّ تصعيد والمزيد من الاستفزازات الاسرائيلية، على أن تواصل قيادة الجيش تنسيقها المباشر مع "اليونيفل"، مقابل التزام حزب الله المستنفر جنوبا بسياسة "الصمت المطبق" بالتعاطي مع التطورات.