تُطرح تساؤلات كثيرة بشأن القمّة العربيّة المَنوي عقدها في بيروت بتاريخ 19 و20 كانون الثاني من العام 2019 المُقبل، حيث تذهب بعض المواقف والتحاليل بشأن القمّة، بعيدًا في تأويلات سياسيّة غير صحيحة، وفي توقّعات غير مَبنيّة على أسس منطقيّة. فما هي المعلومات بشأن هذه القمّة، وما هي التوقّعات بشأن مُشاركة ​سوريا​ فيها؟.

أوّلاً: إنّ ​لبنان​ سيستضيف في كانون الأوّل المُقبل قمّة رديفة لدورات القمّة العربيّة العادية، تحمل إسم "الدورة الرابعة العربيّة التنمويّة ​الإقتصاد​يّة والإجتماعيّة للعام 2019"، وهي بالتالي قمّة مُختلفة عن إجتماعات دورات مجلس جامعة الدُول العربيّة الدَوريّة وحتى الإستثنائيّة منها. وستبحث القمّة المُرتقبة في بيروت حصرًا في شؤون وقضايا وملّفات إقتصاديّة وإجتماعيّة وتنمويّة وحياتيّة للدول الأعضاء، بعكس الدورات العادية لمجلس الجامعة والتي تغوص في القضايا السياسيّة.تذكير أنّ أوّل قمّة إقتصاديّة وتنمويّة وإجتماعيّة عربيّة كانت قد عُقدت في ​الكويت​ سنة 2009، تلتها قمّة ثانية في مصر سنة 2011، ثم قمّة ثالثة في ​السعودية​ سنة 2013، على أن تُعقد القمّة الرابعة منها في لبنان مطلع العام المقبل-كما سبق وأشرنا.

ثانيًا: إنعقدت الدورة التاسعة والعشرين العادية لمجلس جامعة الدول العربيّة في نيسان الماضي، في مدينة الظهران السُعودية، وذلك بعد إعتذار دولة ​الإمارات​ العربيّة المُتحدة عن إستضافتها. وقد تناولتالقمّة المذكورة شؤونًا سياسيّة، وفي طليعتها الحرب في سوريا، وتطوّرات القضيّة الفلسطينيّة، إضافة إلى مسألة "التدخّلات الإيرانيّة في الشؤون العربيّة"، إلخ...وحتى تاريخه، لم يتقرّر زمان ومكان إنعقاد الدورة العادية لمجلس جامعة الدول العربيّة في دورته الثلاثين، والتي هي مُنفصلة تمامًا عن القمة الإقتصاديّة. تذكير أنّ لبنان كان إستضاف في آذار من العام 2002، الدورة العادية الرابعة عشرة لمجلس جامعة الدول العربيّة، وقد وُصفت قراراتها التي جاءت بدفع سُعودي كبير في حينه بالمُهمّة جدًا، وإرتكزت إلى مبدأ "الأرض في مُقابل السلام"(1).

ثالثًا: بالنسبة إلى مسألة دعوة الجانب السُوري للمُشاركة في القمة العربيّة الإقتصادية في بيروت، فقد جرى صرف النظر كليًا عن الموضوع، تقيّدًا بقرارات جامعة الدول العربيّة التي لا تزال حتى تاريخه تُجمّد عُضويّة سوريا فيها. ولبنان الرسمي لا يرغب بالخروج عن هذا الإجماع أو بتحدّي القرارات العربيّة بهذا الشأن، خاصة وأنّ القرار في هذه الحالات هو للجامعة العربيّة وليس له. كما أنّه لا يُوجد توافق داخلي في لبنان على دعوة سوريا، بل إنقسام بشأن هذا الموضوع، ولأنّ أيّ خروج عن الإجماع العربي في هذا الصدد قد يُؤدّي إلى حُصول مُقاطعة عربيّة ستؤثّر سلبًا على فرص نجاح القُمّة التي يرغب لبنان بشدّة بإستغلالها وبالوفاء لإختيار بيروت مكانًا لإنعقادها. وبالتالي، إنّ تحميل لبنان الرسمي، أو وزارتي الخارجية والمُغتربين والإقتصاد والتجارة بالتحديد، أي مسؤولية في إستبعاد سوريا عن القمّة الإقتصاديّة، لا يستند إلى المُعطيات الواقعيّة للمُقاطعة العربيّة المُستمرّة لسوريا، ولو بالأغلبيّة وليس بالإجماع.

رابعًا: إنّ لبنان يُعوّل على نجاح القمّة التي سيستضيفها الشهر المُقبل، لا سيّما لجهة إعادة تنشيط الدورة الإقتصادية والتنمويّة، وعقد إتفاقات جديدة وتمهيد الأرضيّة المُناسبة لإتفاقات مُستقبليّة، وكذلك لإستثمارات ماليّة عربيّة. والأهم أنّ لبنان يرغب بتحقيق خطوة معنويّة إيجابيّة مع الدول العربيّة، تكون كفيلة بإزالة أي مُقاطعة سياحيّة عربيّة له، على أمل عودة السوّاح العرب إلى رُبوعه بأعداد كبيرة في المُستقبل القريب. وهو غير راغب بالقيام بأي خُطوة من شأنها تعكير هذه الأجواء الإيجابيّة.

في الخُلاصة، لا قرار سياسي من جانب لبنان بمُقاطعة سوريا أو باستبعادها، إنّما تقيّد تقني بقرارات إتخذتها الدُول العربيّة بالإجماع فقط لا غير. فلُبنان يتطلّع إلى دور محوري قد يكون ينتظره على خط إعادة إعمار سوريا، وهو لا يرغب بالتالي بأي توتير إضافي في العلاقات بين بيروت ودمشق، لكنّه مدين باختيار العاصمة اللبنانيّة مكانًا لعقد الدورة الإقتصادية والتنموية والإجتماعيّة لعام 2019، ولن يقوم بأيّ خطوة من شأنها نسف فُرص نجاح هذه القُمّة، علمًا أنّ الإهتمام الرسمي يتركّز بالدرجة الأولى على عقد القمّة بوُجود حُكومة وطنيّة حائزة على ثقة المجلسالنيابي قبل أي شيء آخر.

(1) تبنّى البيان الختامي لقمّة بيروت 2002، المُبادرة التي أعلنها وليّ عهد المملكة العربيّة السعوديّة (آنذاك) الأمير عبر الله بن عبد العزيز (نُصّب بعد ذلك ملكًا للملكة حتى وفاته في العام 2015)، مع التذكير بأنّ إنعقاد هذه القمّة جاء بعد سلسلة من جولات التفاوض التي لم تصل إلى نتيجة مع ​إسرائيل​. وأبدى البيان الختامي الإستعداد لإعتبار النزاع العربي-الإسرائيلي مُنتهيًا، ولإنشاء علاقات طبيعيّة مع إسرائيل في إطار السلام الشامل، في حال إستجابة إسرائيل إلى سلسلة من الشروط القاضية بالإنسحاب الكامل من مُختلف الأراضي اللبنانيّة والسورية والفلسطينيّة المُحتلّة، وبالسماح بقيام دولة فلسطينية مُستقلّة عاصمتها القدس الشرقيّة وبعودة كل اللاجئين، إلخ.