اعتبر الأمين العام لـ”التنظيم الشعبي الناصري” في لبنان النائب ​أسامة سعد​ أنه من الخطأ استبعاد احتمال قيام ​إسرائيل​ بشن عدوان جديد على لبنان، لافتا الى أن هذا الاحتمال يبقى قائماً، وهو يلقى التشجيع من قبل الأوساط اليمينية في ​أميركا​ ومن قبل الأوساط العربية الرجعية، وذلك بهدف توجيه ضربة للمقاومة، مذكرا بأن إسرائيل التي قامت أساساً على العدوان واحتلال أرض فلسطين وتهجير ​الشعب الفلسطيني​ هي كيان مصطنع ذو طبيعة عدوانية دائمة، وهي دأبت خلال تاريخها على ممارسة العدوان ضد الدول العربية، كما أنها شنت مؤخراً اعتداءات وحشيّة على غزة، ولا تزال تواصل اعتداءاتها على ​سوريا​، وهي لا تزال أيضاً تحتل أراضٍ لبنانية في ​مزارع شبعا​ وتلال ​كفرشوبا​، وتواصل انتهاك السيادة اللبنانية جواً وبحراً وبراً.

ولفت سعد في حديث لـ"النشرة" الى أنّ ما سبق قوله ينبغي له أن يدفع الساسة في لبنان للعمل على تحصين الوضع الداخلي من خلال المسارعة إلى معالجة الأزمة السياسية القائمة و​تشكيل الحكومة​، إضافة إلى العمل على معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة والمتفاقمة. وقال: "للأسف الشديد لا تزال الزعامات السياسية الطائفية في لبنان مستمرة في خوض معاركها الفئوية حول تقاسم الحصص في الحكومة، وهي تلجأ لاستخدام التعبئة الطائفية سلاحاً في هذه المعارك ما يمكن له أن يؤدي إلى إضعاف التماسك الوطني في مواجهة الخطر الإسرائيلي". وأضاف: "في المقابل، ومن دون إهمال احتمال العدوان، من الضروري الإشارة إلى أنه بعد الفشل الذي واجهته إسرائيل في عدوانها على لبنان سنة 2006، وبعد فشل عدوانها على غزة، باتت تحسب ألف حساب قبل الإقدام على شن أي عدوان جديد على لبنان، ولا سيما بعد التنامي الكبير في إمكانيات المقاومة، من هنا يمكن الافتراض أن التصعيد الإسرائيلي المستند إلى المزاعم حول الأنفاق إنما يندرج في إطار الحرب الإعلامية والنفسية التي يشنها العدو ضد لبنان والمقاومة". وأشار الى أن أحد أهداف هذا التصعيد هو تحويل الأنظار داخل كيان العدو عن التهم ب​الفساد​ التي جرى توجيهها إلى رئيس الحكومة "نتنياهو".

الإسفاف بالتخاطب السياسي...

وتطرق سعد لما جرى مؤخراً في بلدة ​الجاهلية​، فشدد على أنه مدان تماماً، وسقوط محمد بو ذياب ضحية لأحداث البلدة يشعرنا بالحزن والأسى، معتبرا أن لجوء أهل السلطة لتسخير القضاء والأجهزة الأمنية لمصالحهم الخاصة، واستخدامها في معاركهم الفئوية، يؤدي إلى ضرب مصداقية هذه المؤسسات الرسمية وسمعتها، كما يسيء إلى هيبة الدولة. وقال: "هذه الهيبة لا يمكن لها أن تبنى إلا على قاعدة احترام الأصول القانونية، وعلى أساس الحياد الإيجابي لمؤسسات الدولة في الخلافات التي قد تنشأ بين مواطن وآخر، أو بين طرف سياسي وآخر". واضاف: "من جهة ثانية لا بد أن ندين أيضاً الانحدار والهبوط في مستوى التخاطب السياسي إلى درجة الإسفاف. وهو ما يشكل دليلاً إضافياً على الوضع المزري الذي وصلت إليه أطراف الطبقة الحاكمة في لبنان، وعلى وصول النظام السياسي الطائفي السائد إلى درجة التعفن والاهتراء".

ورأى أنه "من الواضح أيضاً أن أحداث الجاهلية قد ساهمت في تصعيد مستوى التوتر الطائفي القائم أصلاً، كما ساهمت في صرف الأنظار، ولو موقتاً، عن المأزق السياسي القائم وأزمة تشكيل الحكومة، وعن المأزق الاقتصادي والاجتماعي بالغ الخطورة"، لافتا الى أنه "من المعروف أن القوى السياسية الطائفية قد اعتادت اللجوء إلى افتعال التوتير الطائفي لاستخدامه سلاحاً في معاركها بهدف تعزيز مواقعها في الصراع حول تقاسم الحصص. والظاهر أنها لن تتوانى عن مثل هذه الممارسات في المستقبل خدمة لمصالحها الطائفية والفئوية".

وردا على سؤال، رأى سعد أن أزمة تشكيل الحكومة ليست إلا إحدى تجليات أزمة أكبر بكثير هي أزمة النظام السياسي القائم، مذكرا بأن تشكيل الحكومات خلال المرحلة الممتدة منذ سنة 2005 وحتى اليوم قد شهد أزمات متكررة، وبأن تشكيلها لم يتم إلا بعد مرور أشهر عديدة، بل إن المرحلة المشار إليها عنوانها هو الفراغ: فراغ رئاسي، أو فراغ حكومي، أو تعطيل أو تمديد ل​مجلس النواب​. وحتى داخل الحكومات التي تشكلت كان التعطيل والعجز عن اتخاذ القرارات هما السائدان. يضاف إلى ذلك الفشل في تحقيق إنجازات لمصلحة اللبنانيين، والفشل في إنقاذ لبنان من الأزمات، ولا سيما الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي استمرت بالتفاقم، واقتربت من مستوى الانفجار. وأضاف: "مع ذلك، وعلى الرغم من عدم مراهنتنا على نجاح أي حكومة سوف يتم تشكيلها في إطار المحاصصة الطائفية والفئوية الجارية، وليس على قدرتها على إيجاد الحلول لأزمات البلد، إلا أننا نطالب بالإسراع في تشكيلها لملء الفراغ في السلطة التنفيذية، فالفراغ وغياب من يتحمل المسؤولية هما من أسوأ ما يمكن أن يواجهه لبنان، وبخاصة في ظل التحديات الخارجية والداخلية المتصاعدة".

عقم النظام القائم

وجدد سعد التأكيد أنه "نائب مستقل ومعارض للنهج السياسي السائد انطلاقاً من موقع المعارضة الوطنية والشعبية، لذلك أرفض الانتماء لأي كتلة ذات طابع طائفي، كما أنني رفضت تسمية النائب ​سعد الحريري​ لرئاسة الحكومة نظراً لاعتراضي على توجهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى نهج ​تيار المستقبل​ والحريريّة السياسية عموماً"، مشيرا الى أنه "من الواضح أن الحكومة القادمة لن تكون مختلفة في سياساتها عن الحكومات السابقة التي أوصلت البلاد إلى حافة الانهيار الاقتصادي، وأوقعت اللبنانيين في ضائقة معيشية شديدة وصولاً إلى حد الفقر". وقال: "بموازاة ذلك فإن نظام ​الطائفية السياسية​ قد وصل منذ سنوات إلى شكل من أشكال الكونفدرالية الطائفية حيث بات لكل زعامة طائفية حق الفيتو، كما باتت الحكومات تعبيراً عن هذه الكونفدرالية، وساد التعطيل والعجز عن اتخاذ القرارات داخل تلك الحكومات، وغابت مفاهيم الأكثرية والأقلية، والموالاة والمعارضة، كما غاب دور مجلس النواب في الرقابة على أعمال الحكومة ومحاسبتها". وتابع، "في الإطار المشار إليه نشأت عند المباشرة بتشكيل الحكومة العقد المسيحية والدرزية والسنية، وقبلها تم تكليف الحريري بغالبية كبيرة. ومن الواضح أن العقد المشار إليها، بعد التوافق على تكليف الحريري، ليست ناتجة عن خلافات على صعيد التوجهات السياسية أو الاقتصادية والاجتماعية، بل هي ناتجة عن خلافات على تقاسم الحصص الوزارية والمغانم السلطوية".

ورأى سعد أن العقد والخلافات المشار إليها لا تمت بأي صلة إلى مصالح لبنان والشعب اللبناني، بل هي تعني أصحابها فقط. ولا أظن أن اللبنانيين ينظرون إليها إلا بهذا المنظار، معتبرا انه بات واضحاً أن نظام كونفدرالية الطوائف القائم هو نظام عقيم لا ينتج إلا الفراغ والتعطيل، وإلا ضرب هيبة الدولة وتخريب مؤسساتها وأجهزتها، وإلا دفع اللبنانيين الى مستنقع البطالة والفقر، وإلا تهجير جيل الشباب.

وشدد على ان التغيير السياسي أصبح حاجة ملحة لبقاء لبنان والدولة اللبنانية والشعب اللبناني. ولا بد أن يترافق التغيير السياسي مع تغيير في النهج الاقتصادي والاجتماعي يساعد على تجاوز الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة القائمة. وقال: "أما التغيير السياسي المطلوب فعنوانه الأساسي تطبيق ​الدستور​ تطبيقاً سليماً، ووضع المادة 95 التي كان ينبغي تطبيقها قبل 25 عاماً موضع التنفيذ. فهي تدعو إلى تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، وإلى سن قانون للانتخاب خارج القيد الطائفي مع إنشاء مجلس شيوخ تتمثل فيه الطوائف. ومما لا شك فيه أن تطبيقها من شأنه فتح الطريق أمام بناء ​الدولة المدنية​ الديمقراطية العادلة التي تقوم على الانتماء الوطني قبل أي انتماء آخر، وتنقذ لبنان من نظام كونفدرالية الطوائف التفتيتي والعقيم والمتخلف. ونحن ندعو كل اللبنانيين، وبخاصة فئة الشباب، للتحرك للتخلص من النظام الطائفي العفن، نظام التبعية والعجز والاستغلال والفساد، ومن أجل المطالبة بإلغاء الطائفية تطبيقاً للدستور وبناء الدولة المدنية الديمقراطية العادلة".

النهج الاقتصادي والتعديلات...

ونبه سعد الى أن "​الوضع الاقتصادي​ و​الوضع المالي​ هما على شفير الهاوية، هذا ما يقوله خبراء الاقتصاد والمال. وأضيف أيضاً أن الأوضاع المعيشية في أسوأ حال، وهي تنذر بالانفجار". وقال: "مما لا شك فيه أن التأخر في تشكيل الحكومة، وتصاعد التوترات الطائفية والصراعات الفئوية، يزيدان من خطورة الأوضاع. الأمر الذي يدفعنا للمطالبة بالمسارعة إلى تشكيل حكومة وفق الصيغة الممكنة تقوم بتحمل مسؤولياتها. كما يدفعنا لمطالبة الزعامات الطائفية بالإقلاع عن عادة استخدام التوتير الطائفي لتعزيز أوضاعها وزيادة حصصها. غير أنه من الضروري التنبيه إلى أن المآزق الاقتصادية والاجتماعية التي وصلنا إليها اليوم هي نتاج ربع قرن من السياسات الحكومية التي أدت إلى تضخم ​الدين العام​، وانهيار قطاعات الإنتاج، وتردي أوضاع الكهرباء والمياه والنقل، وتفاقم أزمات النفايات والصرف الصحي، إلى غير ذلك من الأزمات التي أنتجتها تلك السياسات الحكومية". وأردف: "من نتاج تلك السياسات والممارسات أيضاً استفحال ظاهرة الفساد والزبائنية، وظاهرة المافيوية واستباحة الأملاك والأموال العامة. ولقد أدت تلك السياسات أيضاً إلى تدني مستوى المعيشة لدى غالبية اللبنانيين، وتراجع الضمانات الصحية والاجتماعية، ودفع الشباب إلى الهجرة هرباً من البطالة المستشرية بحثاً عن حياة كريمة. واليوم يتواصل لحس المبرد، وتجمع غالبية أطراف السلطة على تبني مقررات " باريس 4" أو "سيدر 1" التي لن تؤدي إلى إيجاد الحلول للأزمة الحالية، بل إلى مفاقمتها من خلال زيادة التضخم في الدين العام وأعبائه، ومن خلال مضاعفة حدة الأزمة الاجتماعية".

واعتبر سعد أن المقررات المشار إليها، والتي ستتبناها الحكومة القادمة كما يبدو، تسعى إلى تحميل محدودي الدخل نتائج المأزق الاقتصادي والمالي الذي أنتجته الطبقة الحاكمة والحكومات المتعاقبة، لافتا الى انه بدلاً من السعي للحد من عجز الميزانية من خلال فرض الضرائب على أصحاب الريوع والاحتكارات والمضاربات الذين راكموا الثروات الطائلة على حساب الناس، وبدلاً من محاربة الهدر والفساد واستعادة أملاك الدولة وأموالها من مغتصبها، فإن الكلام الدائر في أوساط الطبقة الحاكمة يتمحور حول تخفيض رواتب التقاعد، ووقف تطبيق سلسلة الرواتب للعاملين في القطاع العام، وحول فرض المزيد من الرسوم والضرائب التي تطال، بشكل خاص، أصحاب الدخل المحدود. وقال: "من الواضح أن قيام وزارة المالية باقتطاع حوالي نصف الزيادة على رواتب التقاعد من خلال إعطاء تفسير غير مقنع للمادة 18 من قانون السلسلة، ما هو إلا الخطوة الأولى في المسار الذي تنوي الحكومة القادمة سلوكه". واضاف: "كل ما سبق قوله يدعونا لاعتماد نهج جديد يشارك في صنعه خبراء لبنانيون عوضاً عن توجيهات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي أدت إلى الانهيار والخراب في كل مكان جرى اعتمادها فيه". وختم: "كما ندعو كل المتضررين من السياسات الحكومية الاقتصادية والمالية والاجتماعية، ولاسيما النقابات والهيئات الشعبية والشبابية، إلى اتباع كل أشكال التحرك رفضاً للسياسات المشار اليها ولنتائجها الكارثية، ولمواجهة ما يجري التحضير له من قرارات وإجراءات مجحفة بحق غالبية اللبنانيين".