بعد انتهاء معركة الانتخابات النيابية في السادس من أيار الماضي، بدا واضحا ان رئيس تيار المستقبل ​سعد الحريري​ سيكون رئيسا مكلفا للحكومة. في 24 أيار نال الحريري 111 صوتا من أصل 128 وأطلق رحلة التأليف، وذلك قبل 20 يوما على عيد الفطر الذي أُريد له، بعد لقاء ​الرئيس ميشال عون​ ورئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في قصر بعبدا، أن يكون سعيدا جدا فيحمل معه خبر ​تشكيل الحكومة​ العتيدة التي ستكون "حكومة جامعة".

في 9 حزيران أخرج الحريري المسوّدة الحكومية الاولى من جعبته. لم تكن تتضمن سوى الحصص ولكنها لم ترق الى مستوى قبول المعنيين بها. في 15 حزيران حلّ عيد الفطر بلا حكومة، وهنا بدأت الأمور توحي بوجود عُقد لم تكن قد تبلورت بعد، وكان الحديث عن ضرورة إيجاد معيار موحّد يتم تأليف الحكومة على أساسه وهذا ما لم يحصل حتى تاريخ كتابة هذا المقال. بعد عيد الفطر ضُرب عيد الأضحى كموعد جديد يجب تشكيل الحكومة قبله.

في الفترة بين العيدين تبلورت ثلاث عُقد حكومية أساسية، مسيحيّة ودرزيّة وبنسبة أقل سنّية. بالنسبة للعقدة الأولى فتمثلت بمطالب حزب القوات اللبنانية الذي خرج من انتخابات نيابية رفعت عدد أعضاء كتلته من 8 الى 15. طالبت القوات بخمسة وزراء، وزارة سيادية، ووزارة أساسية. عارض ​التيار الوطني الحر​ مطالب القوات واقترح أن تُعطى ثلاثة وزراء. لم تكن العقدة المسيحيّة الوحيدة التي تعيق تشكيل الحكومة، فكان لرئيس ​الحزب التقدمي الاشتراكي​ وليد جنبلاط حصّته أيضا بالتعطيل عبر مطالبته بالحصّة الدرزيّة الحكوميّة الكاملة، ومعارضة الوطني الحرّ لهذا المطلب بحجة منع احتكار الطوائف، ومطالبتهم بتوزير رئيس الحزب الديمقراطي ​طلال أرسلان​. وأخيرا العقدة السنّية التي لم يعترف بها الحريري منذ اليوم الأول، وكانت تُطرح بين الفينة والأخرى، وفيها مطالبة فريق 8 آذار بتوزير سني معارض لتيار المستقبل.

في 21 آب الماضي هلّ هلال عيد الأضحى بظل فراغ حكومي لم يتمكن المعنيون من سدّه. في تلك الفترة كان لرئيس الجمهورية ميشال عون كلاما واضحا نقلته الصحف عن لسانه فقال: "المهلة ليست مفتوحة، وليس لأي أحد أن يضع البلاد برمتها رهينة عنده ويعطلها، وسأنتظر حتى الأول من أيلول فقط. بعد ذلك سنتكلم. نعم سنتكلم". كانت أجواء بعبدا تتحدث عن نيّة عون التوجه برسالة للمجلس النيابي وتشجيع النواب على سحب التكليف من الحريري، الأمر الذي فتح معركة طائفية جعلت دار الفتوى ورؤساء الحكومات السابقين يلتفّون حول الحريري.

كان رئيس الجمهورية على مشارف سفر يمثّل فيه لبنان في نيويورك وكان يريد أن يكون للبنان حكومة مكتملة. في 3 أيلول وقبل اتخاذ الرئيس عون أي إجراء، زار الحريري بعبدا وقدّم مسودة حكومية جديدة ليرمي الكرة في ملعب الآخرين، ويومها أرسل عون الملاحظات عليها بظل اتهام نواب التيار للحريري بتضييع الوقت، فمرّ أيلول دون جديد وتعرّضت علاقة تيار "المستقبل" و"الوطني الحر" للإهتزاز، وضُرب موعدا جديدا لتشكيل الحكومة. عيد الاستقلال.

طروحات كثيرة وعديدة قُدمت وبُحثت لحل العقدتين المسيحية والدرزية، في ظل تأكيد مستمر من رئيس مجلس النواب على ضرورة تنازل كل الأفرقاء السياسيين من أجل إيجاد صيغة حكومية جديدة. وفي 16 تشرين أول تم الوصول الى تذليل العقدة الدرزية، فزار جنبلاط قصر بعبدا وسلّم عون لائحة من 5 أسماء وكذلك فعل أرسلان، وكان الاتفاق على حصول جنبلاط على وزيرين وأن يسمي الرئيس الوزير الدرزي الثالث من حصته من الأسماء العشرة الموجودة أمامه.

فتح هذا الحل الباب أمام حلّ العقدة المسيحية التي حاولت القوات اللبنانية حلّها بما يخدمها وفشلت. في 24 تشرين أول سافر الحريري الى المملكة العربية السعودية للمشاركة في المنتدى الاقتصادي السعودي، وبعد عودته اقترح على القوات اللبنانية الحصول على 4 وزراء من بينهم نائب رئيس الحكومة وحقائب العمل، الثقافة، والشؤون الاجتماعية، وأعطاهم مهلة للموافقة والمشاركة أو الاعتراض والخروج. في 29 تشرين أول الساعة الواحدة والنصف ظهرا اعلن رئيس حزب القوات سمير جعجع موافقة حزبه على العرض الحكومي، فحلّت العقدة المسيحية الاكبر. ولكن بعدها بساعات قليلة أعلن النواب السنّة المعارضون لتيار المستقبل أن عقدتهم لم تُحل، وبرز موقف حزب الله الداعم لهم، فعادت الأمور الى التجميد.

اليوم يرفض الحريري كل الحلول المقترحة، وآخرها كان رفضه حلّ توسيع الحكومة الى 32 وزيرا، الأمر الذي أغضب رئيس الجمهورية وجعل التاريخ يكرر نفسه. الرئيس يريد التوجه برسالة الى المجلس النيابي لحثّه على إيجاد الحلول، بظل اختلاف على تفسير الدستور، ووقوف الساسة "السنّة" خلف موقع رئاسة الحكومة. ورئيس مجلس النواب نبيه بري يعتبر أن الحل موجود في جعبة رئيس الجمهورية عبر تنازله عن المقعد السني.

سقط موعد عيدي الفطر والأضحى، وبعدهما موعد عيد الاستقلال، ليبرز موعد عيدي الميلاد ورأس السنة "المتّجه" للسقوط، إنما الأكيد أن الحكومة ستُشكل قبل العيد، ولكن أيُ عيد؟ لا أحد يعلم.