عَبثًا تصدُر التَّقارير عن ​الفساد​ في العالم... فمُنذ العام 1995 و"الشَّفافيَّة الدَّوليَّة" تُصدِرُ سنويًّا "المُؤشِّر الدَّوليَّ لمُلاحظة الفساد"، ويُرمز له اختصارًا بـِ(CPI)، وهو يُرتِّب الدُّول في العالم، بحسب مدى مُلاحظة وجود الفساد في الموظَّفين والسِّياسيِّين.

ويُعرَّف الفساد بأَنَّه "إِساءة استغلال السُّلطة المُؤْتمنة، من أَجل المصلحة الشَّخصيَّة"، ولكنَّ الأَمر بالنِّسبة إِلى ​اسرائيل​ لا يَنطبق على هذا التَّحديد بالكامل، ذلك لأَنَّ هذا الكيان قد رفع، ومُنذ تأسيس "حُكماء صهيون"، شعارًا ومفادُهُ أَنَّ كلَّ ما يخدم قضيَّة هذا القوم هو مُحلَّل، وإِن كان فسادًا أَو إِجرامًا أَو مجازر بشريَّة... فأَساسات هذا الكيان بُنيت على الفساد والإِفساد و"تركيب أَفلام" الفَضائح القائمة على المال والجنس، لغاياتٍ سياسيَّةٍ، أَي ممارسة التَّضليل الإِعلاميِّ وصولاً إِلى الإِعدام السِّياسيِّ، إِضافة إِلى التَّصفيات الجسديَّة. هي سياسة "الصُّهيونيَّة العالميَّة" القائمة على اعتبارِ كلِّ شيءٍ مُحلَّلاً إِذا ما كان يصبُّ في خدمة "دَولة إِسرائيل الكُبرى" -ولا نُفشي سرًّا في ذلك- وإِنَّما نُمهِّد للفَصل بين الفساد والإِجرام الهادفَين إِلى "دعم الصُّهيونيَّة العالميَّة" وهُما مُرحَّب بهما، والفساد "غير الخادِم للقضيَّة"، وهو يَدخل في باب الفَساد الشَّخصيِّ الضَّارِّ والمَمْنوع.

وفي باب "الفَساد السَّلبيِّ" في إِسرائيل، لا بُدَّ مِن التَّوقُّف عند القضايا الثَّلاث الَّتي هزَّت عرش رئيس الوزراء ​بنيامين نتانياهو​، وصولاً إِلى كانون الأوّل 2018، إِذ طاولت نتانياهو قضيَّة أُخرى، بعد ما أَوصت الشِّرطة بتَوْجيه اتهاماتٍ تَتعلَّق بقضيَّة فسادٍ له كما ولزوجته سارة.

وكانت الشُّرطة أَوصت بقرارين مُماثلين أَصدرتهما في قضيَّتي فسادٍ أُخريين في شباط 2018.

وتَقوم التُّهمة الثَّالثة على مَنح مجموعة "بيزيك" للاتِّصالات مزايا تنظيميَّة في مُقابل الحصول على تغطيةٍ إِعلاميَّة إِيجابيَّة من مؤسَّسةٍ إِعلاميَّةٍ على ارتباطٍ بها، كما وتحدَّثت الشُّرطة عن وجود أَدلَّةٍ لاتهام نتانياهو بالرَّشوة والاحتيال وخِيانة الأَمانة والقَبول بأُمورٍ غير مشروعة. كما وأَوصت بتوجيه الاتِّهامات نفسِها إلى ساره نتانياهو إِضافةً إِلى عرقلة جمع الأَدلَّة.

وكانت قضايا الفَساد أَفضت إِلى احتجاجاتٍ شعبيَّةٍ واسعةٍ في "​تل أبيب​" بدأَت في كانون الثَّاني 2017، على خلفيَّة تلقِّي نتانياهو رِشا وهدايا من رجال أَعمالٍ، في مقابل تسهيلٍ في بعض الإِجراءات الحكوميَّةِ الَّتي تَخدم المَصالح التِّجاريَّة...

كما وكانت الشُّرطة أَوصَت في 20 شباط 2018، بتقديم لائحة اتِّهام ضدَّ نتنياهو في قضيَّتي فسادٍ، وقال الموقع الإِلكترونيُّ لصحيفة "يديعوت أَحرونوت" حينذاك، إِنَّ الشُّرطة جمعَت أَدلَّةً كافيةً لإِدانة نتنياهو في القضيَّتين المعروفَتين بِـ"الملف 1000" و"الملف 2000".

ولنتانياهو قصَّةٌ قديمةٌ مِن "سيرة الفساد"، إِذ كان موضع تحقيقاتٍ جنائيَّةٍ في 1997، أَثناء ولايته الأُولى رئيسًا للوزراء، وحقَّقت السُّلطات معه في شأْن اتِّهامات بالاحتيال وخيانةِ الثِّقة. واتُّهم نتنياهو آنذاك، بِتعيين مُدَّعٍ عامٍّ من شأْنه أَنْ يُوفِّر مُعاملةً تفضيليَّةً لحليفٍ سياسيٍّ. وأَوصت الشِّرطة باتِّهام نتنياهو، ولكنَّ النِّيابة العامَّة رفضَت توجيه اتِّهامات له. وبعد ذلك بعامين، كان نتنياهو قيد التَّحقيق مُجدَّدًا بتهمة الاحتيال، وهذه المرَّة لاتِّهامات في شأنِ مُتعاقد مع الحكومة، ومجدّدًا لم تُوجَّه إليه التُّهم.

غير أَنَّ حال نتنياهو لم تكن استثناءً في السَّاحة السِّياسيَّة الإِسرائيليَّة؛ إِذ كان كلُّ رئيس وزراءٍ، خلال السَّنوات الماضية، في دائرة التَّحقيق والاتِّهام، وضمنًا إِيهود أُولمرت، وأَرييل شارون. كما وأَنَّ الأَمر لم يقتصر على رُؤَساء الوزراء وحسب؛ إِذ طاول التَّحقيق في قضايا الفساد رؤساء الكيان، وعَشرات الوزراء، وأَعضاء ​الكنيست​، ورؤساء البلديَّات أَيضًا. و"كرةُ ثلج الفساد" هُناك، شملت أسماء كبيرة ومنها إلى نتانياهو: رئيس الوزراء السَّابق إيهود أُولمرت الَّذي سُجن لإِدانته بقضايا احتيالٍ وخِيانة الأَمانة، ورئيس الوزراء الأَسبق أَرييل شارون الَّذي اتُّهم بـِ"السَّيطرة على أَراضي الدَّولة"، ووزير الدَّاخليَّة أرييه درعي، وهو سجينٌ سابقٌ لتورُّطِه بتُهم فسادٍ، والرَّئيس السَّابق موشيه كتساف الَّذي سُجِن لارتكابه جرائم جنسيَّة، والرَّئيس السَّابق عيزر فايسمان الَّذي عُزل من منصبِه لتلقِّيه رشاوى.

وتَأْتي هذه التَّحقيقاتُ مع المَسؤولين رفيعي المُستوى ضمن سلطة "لاهاف 433"، وهي وحدة مُكافحة الفَساد في الشُّرطة الإِسرائيليَّة، والَّتي تُحقِّق مع "المسؤولين الحكوميِّين والمُواطنين العاديِّين"، كما وتُحارب الإِجرام المُنظَّم. وللحديث صِلَة...