في ظلّ إستمرار التعثّر على خطّ تشكيل الحُكومة، عاد الحديث مُجدّدًا عن إحتمال أن يُوجّه رئيس الجُمهوريّة العماد ​ميشال عون​ رسالة إلى مجلس النوّاب تضع النقاط على الحُروف بالنسبة إلى الملفّ الحُكومي، بدءًا بشرح الإرتدادات السلبيّة لإستمرار الشلل على مُستوى السُلطة التنفيذيّة وُصولاً إلى مُطالبة النوّاب بالعمل سريعًا على حلّ المسألة، طالما أنّ التكليف هو من صلب سُلطاتهم. لكن في الساعات الماضية تراجع هذا الإحتمال مُجدّدًا، بعد أن تبيّن أنّ سيئات الرسالة المَذكورة تفوق حسناتها بأشواط! فما هي المعلومات في هذا الشأن؟.

بداية، لا بُد من الإشارة إلى أنّ البند العاشر من المادة 53 من الدُستور اللبناني منحت رئيس الجُمهوريّة حق توجيه رسائل إلى مجلس النوّاب عندما تقتضي الضرورة، من دون تحديد مَضمون هذه الرسائل بالتفصيل. وفي المَعلومات المُتوفّرة أنّ أحد النوّاب العائدين إلى مجلس النوّاب، وهو من الشخصيّات المُقرّبة من رئيس الجُمهوريّة، يقف وراء فكرة توجيه هذه الرسالة إلى ​مجلس النواب​، علمًا أنّ رئيس "التيّار الوطني الحُرّ" وزير الخارجية والمُغتربين في حُكومة تصريف الأعمال، ​جبران باسيل​، هو بدوره مُؤيّد لأن يستغلّ رئيس الجُمهورية كلّ السُلطات والصلاحيّات المَمنوحة له في الدُستور، وألا يبقى مكتوف اليدين إزاء ما يحصل من تضييع للوقت ومن إفشال مُتعمّد للعهد، وذلك في محاولة للضغط لحلّ أزمة التشكيل العالقة منذ أكثر من ستة أشهر ونصف. لكنّ عدم إقدام الرئيس عون على تطبيق هذه السُلطة المَمنوحة له حتى الساعة، يعود إلى تحذيرات نُقلت إليه بأنّه سيكون لأيّ رسالة إلى المجلس بشأن الوضع الحُكومي المُتعثّر سيّئات كبيرة، بشكل سيزيد من تعقيدات التأليف بدلاً من الدفع نحو الحلّ. وفي هذا السياق، عُلم أنّ الحسنات المَحدودة لأي رسالة تقتصر على التالي:

أوّلاً: رفع مسؤولية العرقلة عن رئيس الجُمهوريّة في ظلّ السُلطات الدُستورية المحدودة المُتبقيّة له في مرحلة "ما بعد الطائف"، وتحميل السُلطة التشريعيّة المُنتخبة من الشعب، بمُختلف كتلها وأحزابها الرئيسة، مسؤوليّة التراجع المُستمر في أوضاع البلاد على مُختلف الصُعد.

ثانيًا: إثارة ضجّة سياسيّة وإعلاميّة من شأنها تحريك الجُمود الحالي الذي يطغى على جُهود التأليف، في ظلّ إقتراحات وأفكار حُلول مُتفرّقة بين الحين والآخر، من دون أن ترقى إلى مُستوى المُعالجة الفعليّة للأزمة المُتفاقمة.

ثالثًا: حثّ الكتل النيابية كافة على تحمّل مسؤوليّاتها، وعلى العمل جديًا وسريعًا لحلّ الأزمة، من خلال تقديم تنازلات مُتبادلة من شأنها فتح ثغرة في جدار أزمة التشكيل.

لكن في المُقابل، ظهرت سيئات عدّة لأي رسالة مُحتملة، وأبرزها:

أوّلاً: إحتمال أن يقوم النوّاب الذين ينتمون إلى الطائفة السُنيّة–بمعزل عن إنتماءاتهم السياسيّة، برفض هذه الخُطوة من أساسها، في حال كان موضوع الرسالة الشأن الحُكومي، إنطلاقًا من رفض الإلتفاف والتعدّي على السُلطات المَمنوحة في الدُستور لرئيس الحُكومة المُكلّف. وقد تردّد أنّ من الخيارات المَطروحة، إمكان أن يُقاطع النوّاب السنّة أي جلسة يتمّ فيها قراءة مضمون رسالة رئيس الجُمهورية، وإمكان الردّ عليها سياسيًا وإعلاميًا بشكل حاد، الأمر الذي من شأنه التسبّب بمُشكلة مذهبيّة ودُستوريّة كبيرة!.

ثانيًا: من شأن الرفض السُنّي الواسع للإلتفاف على سُلطات رئيس الحُكومة، إن على صعيد سحب التكليف منه أو تحديد مُهلة زمنيّة لتشكيل الحُكومة، أن يُحوّل الموضوع من مطلب تمثيل النوّاب السُنة في "اللقاء التشاوري"، إلى موضوع مُختلف تمامًا مُرتبط بالحساسيّات الطائفيّة والمذهبيّة الدقيقة، الأمر الذي سيدفع بالنوّاب السُنّة من خارج "تيّار المُستقبل" إلى مُؤازرته في رفض الخُطوة، وربّما إلى المُزايدة عليه في هذا الصدد، كما حصل منذ سنوات مع تجربة حُكم رئيس الحُكومة الأسبق ​نجيب ميقاتي​ الذي تمسّك بصلاحيّات الطائفة السنيّة بشكل فاق تمسّك رئيس "تيّار المُستقبل" بها.

ثالثًا: لم يُظهر رئيس مجلس النوّاب حماسة إزاء فكرة توجيه رسالة رئاسيّة إلى مجلس النوّاب، لأنّها ستنقل المُشكلة إلى ملعبه، وستتسبّب برأيه بإنقسامات داخليّة إضافيّة، لبنان في غنى عنها، علمًا أنّ الحلّ برأي رئيس المجلس هو في مكان آخر تمامًا.

رابعًا: لا يرغب ​رئيس الجمهورية​ شخصيًا بأن يتمّ إستغلال رسالته المُحتملة والتي يهدف منها إلى حثّ الجميع على تحمّل مسؤوليّاتهم فقط لا غير، لتحويلها إلى خلاف سياسي مع رئيس الحُكومة المُكلّف، أو إلى خلاف بين "التيّار الوطني الحُرّ" و"تيّار المُستقبل"، مع كل الإرتدادات السلبيّة على "التسوية الرئاسيّة" وعلى الإستقرار السياسي الداخلي.

في الخُلاصة، وعلى الرغم من رغبة بعض المُحيطين برئيس الجُمهوريّة بتحريك الملفّ الحُكومي عبر توجيه رسالة إلى مجلس النوّاب، في إطار الحقّ الدُستوري المَمنوح للرئيس، فإنّ الرأي المُعارض لهذه الخُطوة، أو الذي لا يرى فيها أي فائدة تُذكر، سيدفع إلى طيّ هذه الصفحة-أقلّه في المرحلة الراهنة.