عندما يريد المرء التحدث عن ذاكرة وطن أو تاريخه يمكن أن يبحث عنه في أماكن متعددة منها المكتبة الوطنيّة التي يفترض أن تكون خزّانه الاساسي. بالامس القريب أعيد افتتاح المكتبة الوطنية في حدث تاريخي وإنجاز طال انتظاره، خصوصاً وأنها تشكّل الهويّة الثقافية للبلد لانها مخزون الفكر والإرث الوطني الذي ينتجه العقل والدور الأساس للمكتبة الوطنية أن تحفظه.

تأسست المكتبة الوطنية في العام 1921 وتضررت في ​الحرب اللبنانية​ فتعرضت محتوياتها للضياع والنهب، وأغلقت تماما عام 1979 ونقلت فيما بين 1982 و1983 إلى مبنى داخل حرم ​الأونيسكو​ في الشطر الغربي من العاصمة وظلت هناك إلى عام 1997، ولم يتبقَ من محتوياتها آنذاك الا 150 الف وثيقة و3000 مخطوطة. اليوم وبعد مرور كل هذا الوقت تم احياء هذا التراث الوطني عبر اعادة افتتاح المكتبة الوطنية بحلّتها ​الجديدة​ ولها دور كبير تلعبه عن طريق ليس فقط إنتاج المعرفة بل أيضاً عن طريق المؤتمرات والمحاضرات.

عندما تزور المكتبة الوطنيّة تُدرك الإهتمام اللافت بهذا الارث الثقافي الذي يمتدّ على مساحة 12500 متر مكعب في مبنى مؤلف من ثلاث طبقات سفلى. تتضمن بحسب مدير المكتب الوطنية حسان عكرا مخازن للكتب والمجلات الموجودة كما أن ​الكتب​ محفوظة بطريقة علميّة تمنع وصول الرطوبة اليها"، ويضيف: "بعد الطوابق السفلى هناك موقف يتّسع لمئة سيّارة، بعدها تأتي الحديقة العامة التي يمكن تنظيم عدة نشاطات فيها، أما في الطابق الارضي هناك قاعة مخصصة للقراءة"، لافتاً الى أنه "في الطابق الثاني هناك القاعات المخصصة للباحثين، اضافة الى المكاتب الاداريّة ومختبر ترميم الكتب الاداريّة".

اللافت في المكتبة الوطنية أنها تحتوي على حوالي 500 مخطوطة وتعود جميعها الى القرون الرابع عشر، الخامس عشر أو السادس عشر. وهنا يلفت عكرا الى أن "الهدف من المكتبة الوطنيّة حفظ الإنتاج الفكريّ الوطنيّ المنشور، على اختلاف أنواعه وأشكال نشره، وكذلك الأعمال والوثائق المتعلّقة بهذا الإنتاج بالاضافة الى المحافظة على هذه المجموعات بشكل دائم وتنميتها باستمرار"، مشددا في نفس الوقت على "ضرورة تلبية الحاجات الثقافيّة والعلميّة للأشخاص وذلك عبر تواجد المنشورات المختلفة في المكتبة والتي تتماشى والانفتاح في الثقافة بكافة أشكالها"، مؤكدا أيضا أن "للمكتبة الوطنيّة الدور الكبير في التعريف بالمجموعات الموجودة والدعوة الى الاستفادة منها بمختلف الوسائل المتاحة".

صحيح أن المكتبة الوطنية تم اعادة افتتاحها منذ مدّة إلا أن مشروع إعادة تأهليها لم ينتهِ بعد، فيما العمل جار لفهرسة المجموعات الموجودة وتصنيفها وترميم الوثائق القديمة وغيرها من الامور التي تعدّ أساسيّة. إضافة الى أن واحدة من الافكار التي يتمّ تداولها حاليًّا بحسب عكرا هي أن "تصبح المكتبة متحفاً للكتب والمخطوطات وتجذب ليس اللبنانيين فقط بل السواح من العالم".

في المحصلة اعيدت الذاكرة الى قلب ​بيروت​ بافتتاح المكتبة الوطنية بعد قرابة ثلاثة عقود من الغياب، لتبقى العين على تطويرها واستفادة اللبنانيين منها!.