تعددت اللقاءات التي أجراها رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ مع النائب ​تيمور جنبلاط​. يرتاح الاخير، كغيره من السياسيين العتيقين والناشئين، للجلسات في عين التينة. من المعروف أن برّي يأسر عقول وقلوب ضيوفه بأسلوبه، وخبرته، وحنكته، ونكاته. فكيف إذا كان الزائر نجل رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" ​وليد جنبلاط​، صديق بري منذ عقود طويلة. فالعلاقة بين "الأستاذ" و"البك" قديمة، تعمّدت في الحرب قبل السلم، ولم تهزها صفحة "حرب العلم"، ولا إنحياز جنبلاط بالكامل الى قوى "​14 آذار​" منذ عام 2005. ولذلك، كانت إنطلاقة جنبلاط الإبن من عين التينة، بعد عقده اللقاء الأول في مسيرته السياسية مع رئيس المجلس النيابي الذي أعطاه نصائح وإرشادات، لم يقبل بري أن يعطيها لنجله، لرفضه التوريث السياسي. لكن رئيس المجلس قدم نصائحه وخبراته على طبق عاطفي الى تيمور. يوماً بعد يوم، كان يدرك المقرّبون من جنبلاط الإبن أنه لا يريد العمل في الشأن العام، ولا ممارسة السياسة. لكن كونه نجل جنبلاط، فلا بدّ عائلياً، من مضيه في طريق السياسة ورئاسة الحزب "الاشتراكي" والحفاظ على موقع المختارة التي يتوارث الزعامة فيها الجنبلاطيون أباً عن جد. إنّه قدر تيمور الذي يكرّر ما فعل والده. الفارق بين الأب ونجله، أن الاول كان مقتنعاً بدور رسمه له والده مؤسس الحزب "الاشتراكي"، بينما الثاني لم يُظهر أي رغبة للعمل السياسي، وأقدم مرغماً نتيجة إصرار الوالد. الاول ساعدته ظروف الحرب في ارتداء العباءة الدرزية، بينما لم تساعد ظروف السلم تيمور في الجلوس على المقعد الدرزي الأول حتى الساعة. لذلك، ابقى والده ادارة اللعبة في يده، بعدما حاول ان يتراجع قليلاً، ليدفع نجله الى اخذ مكانه.

صار جنبلاط الإبن نائباً في البرلمان اللبناني، ويترأس كتلة حزب والده النيابية، ويستقبل الوفود الشعبية كل سبت في المختارة، ويحاول ان يقدّم الخدمات، ويجري لقاءات سياسية. كلّ ذلك، قد يقنع المؤيدين والمناصرين والمحازبين "للتقدمي الإشتراكي" بإمكانيات تيمور جنبلاط، لكن ما لا يقنع الناس بأدائه ودوره هو الإرباك الذي يصيبه عند أي تصريح سياسي او مقابلة اعلامية او خطاب للجماهير. كان الأجدى بمستشاره ورفيق مشواره السياسي النائب ​وائل ابو فاعور​ أن يُفيده، أو ينصحه بتطوير أدائه الذي يطلّ فيه على الناس.

منذ ايام، كان تيمور جنبلاط يزور عين التينة على رأس وفد "إشتراكي"، وبعد انتهاء الاجتماع، خرج ليصرّح امام الإعلام، فأصيب بإرباك شديد، رغم أنه كان يستعد للنطق بجملتين لا غير.

بعدها عجّت وسائل التواصل الاجتماعي بالانتقادات، والتندّر على الأداء الجنبلاطي. لكن ربما لم يسمع، ولم يشاهد رئيس المجلس النيابي تصريح تيمور في عين التينة، والاّ، لكان ارسل في طلبه مجدداً للقول: ان عدم رغبتك في العمل السياسي لا تعني الاّ تكون جاهزاً للتكلّم. فالمعادلة الاساسية في كل المجتمعات، منذ زمن سقراط هي: تكلّم حتى أراك.

لم يعد بمقدور أيّ سياسي، مهما كان موقعه ودوره، الاّ يجيد أداء الكلام. فمهما كان الوزير ناجحا، أو النائب نشيطاً في حمل هموم الشعب، ومشرّعاً من الطراز الاول، فلا بدّ من الدفاع عن افكاره، وتسويق طروحاته، فكيف اذا كان يتحضّر ليتبوأ منصب زعامة؟!.

الخطابة هي علم، والحديث لم يعد موهبة فقط، بل صار نتيجة التعلّم. فليستعن السياسيون بالاعلاميين كما تفعل المجتمعات المتقدّمة.