لا، لا، ليس مِن مكان يُضاهينا، ولا من شعوبٍ توازينا في السّباق إلى المَظاهر والشّوفَنة، ولو نِمنَا على الحَصائر وأكلنا خُبزاً زيتوناً، وحُرِمنا من أبسط حاجاتنا الأساسيّة؛ فنحنُ ​لبنان​يّون، واللبنانيّون يسعون دائِماً إلى الأفضل، حتّى ولو لم يكن هذا الأفضل هو الأفضل!.

يُلاحِظ المُلاحِظ أنّ ما يحدث في لبنان، ما بين البلديات على اختلافها فيما يخصّ السباق إلى الزّينة والمظاهر الخارجيّة بمناسبة الأعياد، هو نوع الخِداع الذي لا ينقُل صورة الواقع الحقيقيّة، ومن الجنون الذي لا نُحسَدُ عليه البتّة، في وقتٍ تضرب الأزمة الإقتصادية مضرباً هائلاً، تَضُرُّ بالبلاد والعِباد. أنا لا أتحدّثُ عن المجموعة الصغيرة، مدنيّةً كانت أم دينيّة، المُكتنزة من لَحم المجموعة الكبيرة، والتي لا تَضُرُّ بها ضارّة، ولا تتأثّر بالتالي بما يدورُ من حولِها في بيوت ​الفقر​اء! بل عن تلك الشّريحة الكبيرة المُحتاجة إلى آلةٍ رافعة لحياتها الإقتصادية، والتي تَجِدُ نفسها أمام آلة هدرٍ لا تتوقّف عندما يتعلّق الأمر بالصّورة الخارجية، وتتعطّل بشكلٍّ شبه كُلّيّ، عندما يتعلّق الأمر ببناء الإنسان، وبتوفير ما يلزم لهذا الأخير من حاجاتٍ أساسيّة لا ترقى حتّى إلى الرّفاهيّة، وضروريّة لأبسط شروط ​الحياة​ الإنسانيّة الكريمة.

والسّباق إلى الزّينة الخارجية، هو كالسباق إلى التسلّح، وخطره الأوّل كخطر الثانيّ على الإنماء البشري، إذ يضع كلّ الطاقات في ما لا يصحُّ ولا يُفيد ولا يُنمي، وبالتالي حياة الإنسان على مِحَكّ الفقر والحرمان، في الوقت الذي من الأَولى أن تُستخدم في عمليّة الإنماء الفرديّ والشّامل التي تأخُذ بعين الإعتبار الإنسان، وكل الإنسان، في كافّة أبعاده الإنسانية والإجتماعيّة والثقافية والسياسيّة والرّوحية وغيرها.

أموالٌ طائلة، تُستَثمَر في غير مكانها، وتُصرف على زينةِ ​عيد الميلاد​ الذي هو في الأساس عيد التواضع والفقراء، كون ​السيد المسيح​ وُلِدَ في مغارة ومزودٍ حقيرَين، فقيراً بين فقراء الأرض، ليُعلِّمنا أن المجد لا يُوجَدُ إلاّ في الصِّغَر والتواضع، وأن الإنسان هو غاية الله: الإنسان المُفَقَّر والمُحَقَّر والمُستعبد والمُستَضعَف والمظلوم والمخدوع والخاطىء. ونحن وبلديّاتنا وجهاتنا الرّسميّة والخاصّة، مُصِرّون على هذا البَطَر الذي يُخرجُ العيد من العيد، وعلى هذا التنافس الأحمق بُغيَة حيازة ألقاب دنيويّة واقتناء جوائز عالميّة رخيصة تقسمَ ظهر الإدارات العامّة والخاصّة ماديّاً، لتُزّيِّن صُدور المُقتدرين في الأرض ورفوف مكاتبهم، ولو على حساب الفقراء والمقهورين الصّاغرين، والجائعين التائقين إلى عالمٍ أفضل، أتى يسوع من أجل ترميمه، لا بل من أجل خلقه من جديد بالنّعمة المُحَوِّلَة، ليجعلَ منه عالَماً لائقاً بالإنسان صورته ومثاله: في نَظَر يسوع، الإنسان أولويّة، ولهذا لا يجب أن يقضي الإنسان جوعاً بسبب مظاهرنا الخارجية.

أيّ عيدٍ كان، مدنيّاً أم دينيّاً، لا يستحقُّ هذا الهدر الكبير للأموال التي يجدر بها أن تُنفق على الإنسان وترقّيه. والأعياد الدينيّة على وجه الخصوص، التي هي في الأساس أعيادٌ وتذكاراتٌ يُحتفَلُ فيها بالمُقدّس المتواضع الذي هو في خدمة الإنسان، لا العكس، والذي لا يُرى إلاّ في مظاهر التواضع والرحمة والشّفقة، وكلّ ما هو عكس ذلِك، ليس عيداً، بل مناسبَةً لقهر الصّغار وإذلالِهم وإبكائهم وجرحِهم في صميم بشريّتهم.