منذ نحو سبعة أشهر حتى اليوم، تحوّلت مسألة تشكيل الحُكومة الجديدة إلى بُورصة، تعلو أسهمها حينًا، وتنخفض حينًا آخر. وما حدث في الساعات الماضية هو مثال جديد على هذا المنحى، حيث تأمّل الكثيرون خيرًا من الدفع المعنوي الذي حظيت به جُهود التأليف، قبل أن تأتي نتائج اللقاءات والإتصالات التي حصلت لتُبدّد هذا الجوّ سريعًا! فما هي القُطبة أو القطب المخفيّة التي تُعرقل ​تشكيل الحكومة​؟!.

برأي أوساط سياسيّة إنّ حلّ التعثّر المُستمرّ على خط تشكيل الحكومة الثانية في عهد الرئيس العماد ​ميشال عون​، لا يتطلّب سوى تنازل من قبل أحد الأطراف المعنيّين بالأزمة، أو حتى من جانب أي طرف آخر ضُمن الحُكومة. وفي هذا السياق، تسأل الأوساط عن الموانع أمام سلسلة من الحُلول، وهي على سبيل المثال لا الحصر:

أوّلاً: أن يُوافق رئيس الحُكومة المُكلّف ​سعد الحريري​ على التنازل عن وزير سُنّي من حصّته لصالح أحد نوّاب "اللقاء التشاوري"، حيث أنّ التمسّك بعدد مُحدّد لا يُقدّم ولا يؤخّر على مستوى قرار السُلطة التنفيذيّة، باعتبار أنّ الحُكومة واقعة بجزء كبير منها تحت وهج "​حزب الله​" السياسي، وكذلك تحت رأي "التيّار الوطني الحُرّ" بجزء آخر منها، ما يعني أنّ خسارة الحريري لأحد الوزراء من حصّته، لن يُغيّر شيئًا في القرارات الحاسمة التي ستتخذها الحُكومة المُقبلة!.

ثانيًا: أن يوافق رئيس الجمهورية على التنازل عن الوزير السُنّي الوحيد في حصّته، لصالح أحد نوّاب "اللقاء التشاوري"، حيث أنّ السُلطة ككل هي بقبضة "التيّار الوطني الحُرّ"، والعهد هو عهد العماد عون، المُتضرّر الأوّل من التسويف الحاصل. وبالتالي، تراجع حصّة "الرئيس-التيّار" من 11 إلى 10 وزراء لن يُغيّر الكثير على طاولة مجلس الوزراء، باعتبار أنّ رئيس الجمهوريّة هو الذي يوافق على بُنود الجلسات وهو الذي يملك حقّ إضافة أي بند إلى جدولها أو وقف النقاش بشأن أي بند من خارج الجَدول. وليس بسرّ أنّ الرئيس عون يحرص على أن يرأس كل الجلسات الحُكومية، وهو يستضيفها في قصر بعبدا دوريًا، وليس كما كان يحصل في مراحل سابقة لجهة عقد جلسات الحكومة في مقرّ خاص نصّ عليه "إتفاق الطائف".

ثالثًا: أن يقوم رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي بالتنازل عن وزير شيعي لصالح وزير سنّي، كما سبق أن فعل عند تشكيل حكومة رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​ الثانية في العام 2011، ما أفسح المجال في حينه أمام تعيين النائب الحالي ​فيصل كرامي​ وزيرًا للشباب والرياضة. ويُمكن بالتالي تكرار "سيناريو" شبيه حاليًا، بحيث يتم تعيين النائب عن "اللقاء التشاوري" وكذلك العُضو في كتلة "التنمية والتحرير" التي يرأسها برّي، النائب ​قاسم هاشم​، وزيرًا في الحُكومة المُقبلة، بحيث يُحافظ رئيس مجلس النوّاب على حجم تمثيله العام، ويتمثّل "اللقاء التشاوري" بأحد أعضائه في الحكومة.

رابعًا: أن يتراجع "حزب الله" عن قراره بعدم تسليم أسماء وزرائه في الحُكومة، بالتنسيق مع نوّاب "اللقاء التشاوري" الذين يُحجمون عندها عن التمثّل في الحُكومة، لضرورات المصلحة العامة، أو لإنقاذ الوضع الإقتصادي والحياتي ل​لبنان​يّين، أو حرصًا على نجاح ولاية العماد عون الرئاسيّة، إلى ما هنالك من مخارج لُغويّة يُمكن أن تحفظ ماء الوجه!

خامسًا: أن يتراجع أي طرف آخر عن حصّته الوزارية، إفساحًا في المجال أمام توفير أحد المقاعد الوزارية الإضافيّة لحلّ الأزمة، حيث يُمكن أن يقوم حزب "القوات اللبنانيّة" على سبيل المثال لا الحصر، بالتنازل عن أحد مقاعده الأربعة، لصالح رئيس الجمهوريّة الذي سيكون بإمكانه عندها التنازل بدوره عن المقعد السُنّي من دون أي تغيير في حصّته.

لكن كل هذه الإقتراحات هي أقرب إلى التمنيّات منها إلى الحُلول، لأنّ المسألة ليست مُرتبطة بوزير بالزائد أو بالناقص، وبماذا يُمكنه أن يفعل أو أن يُضيف للفريق الذي يُمثّله، ولكن بتوازنات سياسيّة وطائفيّة ومذهبيّة دقيقة، لها إمتداداتها الإقليميّة. والأهمّ أنّ المسألة مُرتبطة برفض رئيس الحكومة المُكلّف تقاسم السُلطة التنفيذية مع أي وزير سُنّي ينتمي مُباشرة إلى قوى "8 آذار"، في ظلّ التبدّل الواضح في موازين القوى السياسيّة على طاولة مجلس الوزراء نسبة إلى ما كان الوضع عليه منذ العام 2005 حتى اليوم، وذلك منعًا لتأسيس حالة سياسيّة ستُضعفه أكثر فأكثر مع مُرور الوقت. والمسألة مُرتبطة برفض الحريري أيضًا تمثيل الطائفة العُلويّة في الحُكومة-حتى لو جرى منحه إستثنائيًا هذه المرّة حق تسمية الوزير العلوي، وذلك منعًا لتكريس أعراف جديدة تُخلّ برأيه بالتوازن المذهبي الدقيق بين الشيعة والسُنّة في لبنان، حتى لو أنّ العلويّين يُمثّلون طائفة مُستقلّة.

و"العناد"-إذا جاز التعبير، لا يقتصر على رئيس الحُكومة المُكلّف، بل يطال "حزب الله" الذي يُحاول من خلال قيامه بتجميع كتلة نوّاب "اللقاء التشاوري"، بعد قيامه بتضخيم كتلة "تيّار المردة" عبر عدد من النوّاب المُشتركين بين الكتلتين، فرض مُعادلة الرابح والخاسر على مُستوى السُلطة التنفيذيّة في لبنان، عبر تحجيم كتلة "تيّار المُستقبل" والقوى الحليفة لها قدر المُستطاع، بالتزامن مع زيادة عدد الوزراء الذين ينتمون إلى قوى "8 آذار" وتحسين نوعيّة وزاراتهم. ويتردّد أيضًا أنّ "الحزب" وغيره من القوى التي تدور في فلكه، غير مُتحمّسين لمنح كل من رئيس الجُمهوريّة و"التيّار الوطني الحُرّ" حصّة من 11 وزيرًا في حكومة ثلاثينيّة، أي "الثلث المُعطّل أو الضامن".

وفي الختام، لا شكّ أنّ رئيس الجُمهوريّة حاول عبر مُبادرته الأخيرة تقليص الفجوات القائمة، من خلال التنازل جزئيًا عن الوزير السُنّي من حصّته، بحيث يتمّ إختياره بالتنسيق مع أكثر من جهة سياسيّة-كما حصل مع الوزير الدرزي الثالث في الحُكومة. لكن مُبادرته لن يُكتب لها النجاح، ما لم يُقرّ رئيس الحُكومة المُكلّف بحقّ تواجد شخصيّة سُنيّة لا تدور في فلكه، غير تلك التي سيُسمّيها رئيس الحُكومة الأسبق النائب نجيب ميقاتي، وخُصوصًا ما لم يُقرّ نوّاب "اللقاء التشاوري"-والجهات السياسيّة التي تدعمهم، بأنّهم لن يتمثّلوا في الحُكومة عبر نائب منهم، إنّما عبر شخصيّة وسطيّة يتقاطع التفاهم عليها بين أكثر من طرف. وحتى الساعة، الرفض هو سيّد الموقف، والحُكومة إلى مزيد من التأجيل!.