يضعنا ​الإنجيل​ أمام جماعتين، سماوية وأرضية، تتكوّنان من تتألّف شخصيّات لَعِبت دوراً أساسيّاً في حدث التجسّد: مريم، يوسف، الملائكة، الرعاة، المجوس، هيرودوس...، وهؤلاء كلّهم شاهدوا ميلاد الربّ وعبّروا عن فرحهم بهذا الحدث العجيب، إلاّ أن منهم مَن أمرَ بقتل الصبّي!

سيكون موضوع تأملنا في ​تساعية الميلاد​ الحاضرة، بدورِ كلٍّ من هذه الشخصيّات المذكورة في حدث ميلاد الربّ، متوّقفين مذهولين معها بهذا الحدث العجيب الذي ملىء الزّمان والمكان، وفتح أبواب السماء على أمام الطفل الإلهي لينزل إلى عالمنا وينقٌلنا من الظلمة إلى النّور.

الرُّعاة المساكين(لو2: 8-18)

مقدّمة

سَمِعَ الرُّعاة بُشرى الملاك، فَخَفّوا إلى ​بيت لحم​ ليَرَوا ما حدثَ فيها، بعدما أعطاهم الملاك العلامة التي تُمكّنهم من معرفة الطّفل المولود يسوع:" تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطًا، مُضْجَعًا في مِذْوَد!"(لو2: 12)، وكانوا أوّل مَن قدَّم للطفل القليل من الدفء في هذه المغارة المُسقِعَة.

الإنجيل

"وكانَ في تِلْكَ النَّاحِيَةِ رُعَاةٌ يُقِيمُونَ في الـحُقُول، ويَسْهَرُونَ في هَجَعَاتِ اللَّيْلِ على قُطْعَانِهِم. فإِذَا بِمَلاكِ الرَّبِّ قَدْ وقَفَ بِهِم، ومَجْدُ الرَّبِّ أَشْرَقَ حَولَهُم، فَخَافُوا خَوفًا عَظِيمًا. فقالَ لَـهمُ الـمَلاك: "لا تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِلشَّعْبِ كُلِّهِ، لأَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ اليَوْمَ مُخَلِّص، هُوَ الـمَسِيحُ الرَّبّ، في مَدِينَةِ دَاوُد. وهـذِهِ عَلامَةٌ لَكُم: تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطًا، مُضْجَعًا في مِذْوَد!". وانْضَمَّ فَجْأَةً إِلى الـمَلاكِ جُمْهُورٌ مِنَ الـجُنْدِ السَّمَاوِيِّ يُسَبِّحُونَ اللهَ ويَقُولُون:"أَلـمَجْدُ للهِ في العُلَى، وعَلى الأَرْضِ السَّلام، والرَّجَاءُ الصَّالِحُ لِبَني البَشَر". ولَمَّا انْصَرَفَ الـمَلائِكةُ عَنْهُم إِلى السَّمَاء، قالَ الرُّعَاةُ بَعْضُهُم لِبَعْض: "هيَّا بِنَا، إِلى بَيْتَ لَحْم، لِنَرَى هـذَا الأَمْرَ الَّذي حَدَث، وقَد أَعْلَمَنا بِهِ الرَّبّ". وجَاؤُوا مُسْرِعِين، فوَجَدُوا مَرْيمَ ويُوسُف، والطِّفْلَ مُضْجَعًا في الـمِذْوَد. ولَمَّا رَأَوْهُ أَخبَرُوا بِالكَلامِ الَّذي قِيلَ لَهُم في شَأْنِ هـذَا الصَّبِيّ. وجَمِيعُ الَّذِينَ سَمِعُوا، تعَجَّبُوا مِمَّا قَالَهُ لَهُمُ الرُّعَاة".

1- العلامة

"طِفلاً مُقَمّطاً"، هذه هي العلامة، ولكن لِماذا أعطيت للرّعاة وليس للمؤَثّرين على المشهد العامّ، لِلملوك والعظماء؟! لأنّ الله لا يُسلِّمُ سرَّه للأقوياء والمُقتدرين الممتلئين من "الأنا"، والمُعتدّين بنفوسِهم. بل لمنكسريّ القلوب، والمتواضعين المُدركين لبشاعة خطاياهم، مُلتمسي الرّحمة والغفران، والمحتاجين إلى مَرجعيّة ومُنقِذ. ولهذا، شاء الله أن يكون الصّغار من المُهمّشين هُم أوّل مَن يَسمعوا الخبر المفرح ويُبّشّروا ببداية عهد جديد مع البشرية: فمن الآن وصاعِداً، لَم يعُد هناك مُهَمّشون في عَينيّ الربّ، بل الكلّ محبوبون ومحضونون ومرغوبٌ بِهم.

2- إلى منكسريّ القلوب

لَم يكن الرّعاة بالضرورة أتقياء ليُسَلّموا هذه العلامة، ولكنّهم كانوا من "مُنكسريّ القلوب"(مز34: 18)، أي من الخطأة المُنتظرين مُنقذاً، والمُهّمّشين الذين ليسوا في قائمة اهتمام أحد. ولهذا أسرعوا، عندما سَمعوا الخبر المُفرِح، إلى حيث الطّفل يسوع، مذهولين ومتأثّرين بمشهد الملك المولود خارج قصور الملوك؛ في مذود واسطبل حقيرَين، فقيراُ بين الفقراء، بسيطاً بين البُسطاء، مُعدَماً بين المُعدَمين، صغيراً بين الصّغار!.

3- هناك نجِدُ يسوع

"تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطًا، مُضْجَعًا في مِذْوَد!". القِماط والمذود هُما العلامة الدائمة لإيجاد يسوع. "وإن أردنا أن نحتفل ب​عيد الميلاد​ الحقيقيّ فعلينا أن نتأمّل بهذه العلامة: بساطة المولود الحديث، ووداعة كونه مُضجعًا، وحنان القِمَاط التي تلفُّه. هناك نجد الله" (​البابا فرنسيس​، 25-12-2016)، في البساطة! ولكي نفرح فَرح الرُّعاة، علينا أن نذهب إليه حيثُ هو يسوع، وحيثُ يرغب في أن يُقيم، وأن نَجري بسرعة إليه كالرّعاة، تاركين انشغالاتنا المنزليّة التي تَعوقُنا عن الإنشغال بالجوهر. جميلَةٌ هي الأكسسوارات التي تُحيط بعيد الميلاد، ولكن فلنتذكَّر دائماً أن الجوهر هو مُلاقاة يسوع، النّور الحقيقي وقبول حبّه لنا، الذي يُحرّرنا من ظُلمَة الخطيئة السّاكنة فينا، فنستنير من حبّه؛ إذ عندما نقبل الحُبّ الإلهيّ، نقبل إخوتنا، ويكون هؤلاء محطّ اهتمامٍ خاصٍّ منّا، لا سيّما المنبوذون والمهمّشون والأكثر حاجة.

صلاة

رأى الرُّعاة الذّهلَ فأتوا مُسرعين فَرِحين. دَخَلوا المغارة بِثِقَة... وراحوا يُرتّلون تسابيح الظَّفَر ويُسَبِّحونت إشراقَه ويقولون:"ألسلامُ عليكَ يا عظيمَ الرُّعاةِ، يا مَن أتيتَ لِتُعيدَنا من الضّلال"، آمين (من صلوات أسبوع الميلاد الماروني، مخطوط ​بكركي​ 66).