لم تكن الخطوة التي أقدم عليها الرئيس ​السودان​ي ​عمر البشير​ في جوهرها تجاه سوريا، هي العملية الأولى والوحيدة في مسار المتغيرات الإقليمية والدولية بشأن دمشق، لكن يُسجّل للبشير إقدامه على فتح خط العرب-دمشق من جديد، على مستوى الرئاسات والزعامات.

قبل خطوة البشير، كانت حصلت خطوات بالجملة، تحمل نفس الأهداف السودانية، لكنها لم ترتقِ الى حد زيارة رئيس دولة الى الشام، كما فعل البشير.

اولا، حصلت الاجتماعات السياسية والأمنية السورية-الاردنية في دمشق، وحمل الوفد البرلماني الاردني رسائل من عمّان الى الرئيس السوري ​بشار الأسد​.

ثانيا، بقيت القاهرة ممثلة بقائم للأعمال في الشام، أبقى خطوط التواصل حيّة بين المصريين والسوريين سراً وعلنا.

ثالثا، عندما التقى وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، نظيره السوري وليد المعلم، ارسل اشارة واضحة بحرارة اللقاء وقوله: يجب أن تعود كل الاراضي السورية الى سيطرة الدولة.

رابعا، بقيت الجزائر تنشط على خط الدفع بإتجاه اعادة سوريا الى دورها العربي، كما بدا خلال زيارة وزير الخارجية الجزائري الى دمشق، كأول وزير خارجية عربي يكسر القطيعة بحق سوريا.

خامسا، تحضير دولة الامارات العربية المتّحدة لاعادة افتتاح سفارتها في سوريا، كمؤشر الى استعداد التحالف السعودي-الاماراتي لفتح صفحة جديدة مع الأسد.

سادسا، دعوة البرلمان العربي ​جامعة الدول العربية​ الى اعادة سوريا للجامعة وفك تعليق عضويتها.

رغم كل ذلك، تُصنّف خطوة السودان على أنها الأبرز في الشكل والمضمون، خصوصا أن البشير هو حليف ​السعودية​ الذي يناصر جيش بلاده الرياض في الحرب اليمنية.

فهل حمل الرئيس السوداني رسالة من المملكة العربية السعودية الى دمشق؟!

توحي كل المؤشرات أن هناك رسالة مهمة استدعت تلك الزيارة المفاجئة التي قام بها البشير الى الشام. فلا يمكن للرئيس السوداني أن يجري الزيارة ويقوم بهذه الخطوة اللافتة، من دون علم الرياض أو التنسيق بشأنها. فلو كانت السعودية ترفض الزيارة، لكانت منعتها، أو هدّدت البشير بوقف التعامل معه، خصوصا ان الحاجة الى قواته في اليمن اصبحت هامشية، بدخول المسار اليمني مساحة التسوية. او على الأقل، كانت شنّت الرياض حربا اعلامية على البشير وزيارته السورية.

رغم ذلك، هناك من يقول أن الرئيس السوداني قد يكون وضع نفسه في خانة الوساطة لأسباب اخرى:

علاقة البشير بالرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ استراتيجية ممتازة، بعدما التقاه العام الماضي في موسكو، وبدت يومها ملامح التوافق بشأن النظرة الى سوريا، فأعلن البشير انحيازه الى جانب دمشق. ومن المرجّح أن تكون الخطوة السودانية جاءت بدفع ومباركة روسية، بحيث لا تمانع موسكو أن يكون البشير وسيطا بين الخليج والأسد بهدف ترسيخ الحل في سوريا.

قد يكون الرئيس السوداني تقصّد المضي في طرح نفسه وسيطا، لتنفيذ تسوية ذات طابع عربي، التزاما بموقع وأهمية دمشق، كرد على محاولة اظهار السودان وسيطا بين اسرائيل والعرب، بعد تكرار الكلام عن زيارة مرتقبة لرئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو الى الخرطوم، والمضي في طريق التطبيع مع تل أبيب.

بالمحصّلة حقّقت الزيارة اهدافا تعطي الدفع لدمشق والبشير معا، بمجرد ان حط الرئيس السوداني في مطار دمشق الدولي، وكان في استقباله الأسد، انكسرت قطيعة الرؤساء العرب عن زيارة الشام التي تمّ فرضها منذ عام 2011. ستكرّ بعدها الزيارات، وتكثر المبادرات، وتُستعجل الاتفاقات السياسية والاقتصادية بين دول وازنة وسوريا. حتى الان اعلنت عمليا، كلٌ من مصر والجزائر والسودان والاردن والبحرين وسلطنة عمان والمغرب وتونس والعراق، وضمنيا الامارات العربية والكويت، ولبنان رسميا بعد تأليف الحكومة المنتظرة، ودول أخرى، مدّ اليد الى سوريا الأسد. ما يعني أن أكثرية الدول العربية، ومعظمها حليفة للرياض، تستعد لاعادة دمشق الى دورها وموقعها. سيكون على سوريا تحديد موقفها بشأن طرح تلك الدول العودة السورية الى الجامعة العربية اولا، وحضور الاسد قمة آذار العربية ثانيا، كمدخل للمرحلة الجديدة. بعدها تكرّ بسرعة المتغيرات لتجسيد عودة دمشق الى لعب دور اقليمي وعربي واسع.