عندما تأسّست جامعة الدُول العربيّة مع نهاية الحرب العالميّة الثانية في العام 1945، كان من بين أهدافها المُتعدّدة والتي تُركّز على ضرورة التعاون في مختلف المجالات، "التوسّط في حلّ النزاعات التي تنشأ بين دُولها، أو النزاعات بين دُولها وأطراف ثالثة". ولعلّ الجامعة هي اليوم في أمسّ الحاجة لتطبيق هذا البند بالتحديد، في ظلّ الإنقسامات والنزاعات والمشاكل الحادّة التي عصفت بأعضائها خلال العقد الأخير حتى تاريخه. فهل من بوادر حُلول على خطّ ملفّات ​سوريا​ وقطر و​اليمن​ وغيرها من الدول العربيّة؟.

في الملفّ السُوري، لا تزال عُضويّة دمشق مُجمّدة في جامعة الدول العربيّة(1)، على الرغم من بعض المُحاولات الفرديّة المُتفرّقة من جانب أكثر من دولة عربيّة لكسر الحصار السياسي المفروض على سوريا، وآخر هذه المُحاولات تمثّل في زيارة الرئيس السُوداني عُمر البشير إلى دمشق حيث إلتقى نظيره السُوري بشّار الأسد. لكنّ خُطوة الرئيس السُوداني الذي كان وصل بدوره إلى الحُكم في بلاده في إنقلاب عسكري في صيف العام 1989، والذي يحكم السُودان بقبضة عسكريّة منذ ثلاثة عُقود، لا تُمثّل كسرًا للحصار السياسي والمعنوي لسوريا من جانب الدول العربيّة، كون البشير نفسه مُتهم بجرائم حرب ومطلوب دَوليًا بمُذكرات قضائيّة. وبالتالي، وعلى الرغم من فتح بعض خُطوط التواصل مع سوريا، من قبل أكثر من طرف عربي وإقليمي ودَولي، فإنّ رفع الحظر السياسي والمعنوي بالكامل عن النظام السُوري مُرتبط بمصير التسوية النهائيّة للحرب السُورية. وقبل التوصّل إلى حلّ شامل للحرب السُورية، ولكل الملفّات التي نجَمَت عنها، لا يُتوقّع عودة النظام السُوري ليُمارس دوره كعُضو فاعل في جامعة الدول العربيّة.

في الملفّ القطري، إنّ العلاقات الخليجيّة مع كل من ​السعودية​ و​الإمارات​ لم تكن خالية من الشوائب في الماضي، لكنّها بلغت ذروة التراجع والتوتّر خلال الأزمة السُوريّة، عندما راحت الدوحة تموّل وتُسلّح حركات "جهاديّة" مُناهضة لتلك المدعومة من الرياض، الأمر الذي أسفر عن إنقسام "المُعارضة السُورية" وتقاتل فصائلها وضياع الأهداف التي كانت حُدّدت عند بداية التحرّكات الشعبيّة في سوريا. وتعمّق صراع النُفوذ بين الطرفين، بعد تماهي قطر مع تركيا، وكلاهما مع جماعة الإخوان المُسلمين، للسيطرة على أكبر عدد مُمكن من الدول العربيّة، في الوقت الذي حاربت كل من السُعودية والإمارات "جماعة الإخوان" ومن يقف وراءها. واليوم، لا تبدو عودة قطر إلى الحُضن الخليجي سهلة، بسبب تراكم العديد من الخلافات الأمنيّة والسياسيّة والدبلوماسيّة وحتى العقائدية. وبالتالي، إنّ أقصى ما يُمكن أن يتحقّق عبر الوساطات القائمة، ومنها على يد الكويت وسلطنة عُمان وغيرهما، يتمثّل بتهدئة الأوضاع ووقف التهجّمات المُتبادلة والعمل على تنظيم الخلافات.

في الملفّ اليمني، تتواصل الجُهود الإقليميّة والدَوليّة لتثبيت وقف النار الذي يشهد خروقات عدّة، ولوضع مُختلف الأطراف المعنيّة على طاولة المُفاوضات، تمهيدًا للتوصّل إلى حلّ سلمي. وليس بسرّ أنّ جولة المُحادثات التي عُقدت أخيرًا في السويد بمُشاركة مُمثّلين عن الحُكومة اليمنيّة المُعترف بها دوليًا و"أنصار الله" نجحت في تحقيق بداية ملموسة نحو السلام، بعد الإتفاق على تبادل نحو 15000 أسير ومُعتقل، وعلى تهدئة الوضع في مدينة تعز. والأنظار ستكون مُوجّهة إلى جولة المُفاوضات التي إتفق على عقدها الشهر المُقبل، والمُخصّصة إلى بحث سُبل التوصّل إلى خريطة طريق للسلام الدائم في اليمن، والتي ستبدأ بقيام الحوثيّين بتسليم موانئ ​الحديدة​.

في الملف العراقي، نجحت إيران في إبقاء سيطرتها على المراكز الدُستوريّة في البلاد، من خلال توحيد القيادات الشيعيّة وإستمالة مجموعة من القيادات السنّية ومكافأتها، وهي ترجمت ذلك من خلال فوز التحالف المدعوم والمُقرّب من طهران بالأغلبيّة في مجلس النوّاب العراقي، والتمكّن من تذليل العقبات أمام تشكيل الحُكومة. لكنّ العراق يرزح حاليًا تحت وطأة أزمة إقتصاديّة وحياتيّة خانقة، ونسبة البطالة في صُفوف الجيل الشاب تبلغ نحو 40 %، الأمر الذي يُنذر بكوارث إجتماعيّة في المدى المنظور. ولا تزال جامعة الدول العربيّة تسعى لإعادة العراق إلى الحُضن العربي، لكنّ الأرضيّة في العراق غير جاهزة لهذه العودة بعد، بسبب النُفوذ الإيراني الذي يصعب إضعافه حاليًا، على الرغم من الضائقة الإقتصاديّة والمالية.

في الملف الليبي، فشلت الجُهود الدوليّة في إجراء إنتخابات في العاشر من الشهر الحالي–كما كان مُقرّرًا بحسب خطّة أعدّتها فرنسا، وباتت الجُهود تتركّز حاليًا على إقناع القوى السياسيّة المُختلفة بالمُشاركة في "مؤتمر وطني" يُعقد خلال العام 2019 المقبل. والهدف من هذا المؤتمر التي تضغط الأمم المتحدة، مُمثّلة بمبعوثها الخاص إلى ليبيا، الوزير اللبناني السابق غسّان سلامة، لتنظيمه، يتمثّل في مُصالحة القبائل والقوى الليبيّة المختلفة، تمهيدًا لفتح الطريق أمام إجراء إصلاحات إقتصاديّة وماليّة من شأنها إعادة الحياة إلى طبيعتها في ليبيا، على أن تكون مسألة إجراء الإنتخابات لإعادة ترتيب السُلطة المركزيّة الحاكمة هدفًا لاحقًا، وربّما في الربيع المقبل، وليس هدفًا طارئًا ومُلحًّا.

في الخُلاصة، إنّ الدول العربيّة ليست في أفضل أحوالها حاليًا، وجامعة الدول العربيّة لا تملك الحلول للمشاكل المُتفاقمة، نتيجة إنقسامات عربيّة–عربيّة في جانب منها، ونتيجة تدخّلات إقليميّة ودَوليّة متعدّدة في الشؤون العربيّة في جانب آخر.

(1) تمّ تعليق عُضويّة سوريا في جامعة الدُول العربيّة في تشرين الثاني من العام 2011، إحتجاجًا على القمع العسكري الذي مُورس ضُدّ التظاهرات التي طالبت بإسقاط النظام.