لم تكن مسيرة واعتصام ​الحزب الشيوعي​ في بيروت الأحد الفائت عبثية أو مجرّد تسجيل موقف؛ ولئن كان ​لبنان​ أمام حكومة تصريف أعمال لا صلاحيات لها على اتخاذ قرارات مصيرية؛ ما يجعل تحرّك الشيوعي غير مجدٍ.

ليست نقمة رواد التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت تسلية ؛ ولئن كانت اصواتهم لا تؤخذ محمل الجدّ الا حين إهانة زعيم هنا او هناك فتتحرّك الشكاوى القضائية؛ ما يجعل صرخاتهم لا صدى لها.

الحقيقة أنّ الشعب اللبناني أمام أزمة معيشية حادّة.

إحصاء "الدولية للمعلومات" الذي ذكر أن هناك ٣٤،٥٠٢ لبنانياً غادروا لبنان دون تذاكر عودة أثار بلبلة في أوساط الرأي العام وذلك لأنّ قضايا الإنسان في لبنان غالباً ما هي بعيدة عن الإعلام.

ليست الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان محصورة فقط بسبب ​النزوح السوري​ كما يحاول تصويرها بعض السياسيين أو بالأحرى كما يفهمونها، إنما هي في الأساس بسبب غياب إدارة فعلية للدولة تتمثل بما يلي:

-رؤية استراتيجية لبناء دولة تنموية بشكل مستدام.

-فشلت الحكومات السابقة بهذه الرؤية و كذلك الحكومة الحالية.

-قد تكون المعضلة في النظام السائد ليس فقط الطائفي والمحاصصي بل بالبنية المؤسساتية للسلطات الأساسية.

في جولة لنا على المؤسسات التجارية ونحن في زمن الأعياد تبين لنا الآتي:

-فوضى في ضبط أسعار أكثرية السلع الغذائية والاستهلاكية.

-الأسعار تتناقض مع مستوى الحد الأدنى للاجور.

-تسعيرات الوجبات الغذائية في المطاعم تعتبر من الأغلى في العالم.

-انتشار كثيف للمنتوجات التركيّة والسوريّة في الاسواق اللبنانية ما يؤثر سلبا على الإنتاج اللبناني.

إنّ شريحة كبيرة من فئات ​المجتمع اللبناني​ وخاصة من العائلات تعيش في مستوى خطّ الفقر أو أدنى، إن بسبب البطالة وانعدام فرص العمل أو بسبب الغلاء في المعيشة.

ماذا عن جيل خرّيجي الجامعات؟

في جولة على بعض جامعات لبنان سواء ​الجامعة اللبنانية​ أو غيرها قاسم مشترك يجمع بين أذهان الجيل الشبابي: الهجرة للخارج سواء بدافع طلب درجة علم أعلى أو بسبب بناء مستقبل أكثر أمانا.

"لبنان لا يقدّم لنا شيئاً سوى الإحباط"، جملة تتردد كثيرا في أروقة وأدراج وساحات الجامعات. حتى هذه الصروح التعليمية الكبيرة نفسها بات بعضها مُحبط سواء بالنسبة للإدارة فيها او لكلفة التعليم الباهظة أو المحسوبيات.

لا شيء يقنع أكثرية هؤلاء الشبان والشابات بالبقاء في الوطن. بعض الاختصاصات العلمية لا أفق لها في لبنان لا سيما الكيمياء والهندسة البيوطبيّة والهندسة الصناعية والطب وادارة الأعمال و غيرها الكثير...

لماذا لم يجد المسؤولون آليات لتحفيذ الاستثمارات؟ أين لبنان من الصناعات ومراكز الأبحاث والمؤسسات الدولية والمحاكم الممكننة مثلاً؟!.

بعلبك الهرمل على سبيل المثال لا مستشفيات ولا معامل ولا مؤسسات تجارية فيها، معظم شبابها وشاباتها عاطلين عن العمل أو أقصى أحلامهم الالتحاق بسلك عسكري.

مناطق الأطراف في لبنان ومنها الشمالية أيضاً كعكار تلحق المناطق الريفية باتجاهها نحو الكهولة بحيث ستكون الشيخوخة النسبة الأكبر من المقيمين فيها.

الوضع في لبنان ينذر بثورة جياع ولا شكّ أننا مقبلون على ثورة أدمغة جديدة.

الأزمة الإسكانية تتفاقم، العاصمة لم تعد لأبناء الوطن فلن يسكنها الا الثراء الفاحش الخليجي.

هل ستصمد ​الليرة اللبنانية​ طويلا؟!. لا شكّ اننا سنواجه حربا اقتصادية، ولكن في ظل غياب استراتيجيّة دفاعية اقتصادية، من الصعب أن يصمد الوطن. فشلوا في تقسيم لبنان جغرافيا، نجحوا في فرزه طائفيا، أعجوبة إلهيّة فقط تجعلنا نصمد إقتصاديا وماليا أو افتحوا أسواق البلد المالية. لا شيء يبرر أن يبقى الاقتصاد فقط مُدَوْلَراً . وهذا بحث آخر.