عندما تنتهي العقدة السنّية يبدأ «الرتوش» النهائي للحكومة وتتقدم الى العشرة أمتار الأخيرة قبل الولادة. هذا ما تقوله اوساط متابعة للتشكيلة الحكومية التي قطعت شوطاً مهماً مع تنازل الرئيس ​ميشال عون​ عن المقعد السنّي في حصته لمصلحة نواب ​8 آذار​ الذين خفضوا سقف مطالبهم وقبلوا بتمثيلهم بالواسطة، وقدمت الأسماء للرئيس ​سعد الحريري​ ليختار اسماً منها لا يشكل استفزازاً له.

لا تُسقط الاوساط احتمال وجود عقبات قد تعوق التشكيلة في اللحظة الاخيرة، لكنها تعتقد أنّ سقفَ المطالب أوحى في الأيام الفائتة أنّ «حزب الله» تراجع عن «الفيتو» الذي وضعه على التأليف لتعذّر إمرار ما يريد قبل ​تشكيل الحكومة​، فتراجع حلفاؤه عن مطلب تمثيل أحدهم في الحكومة حصراً وبدأ النقاش الفعلي لولادة الحكومة، التي كان يُفترض أن تؤلَّف في اليوم نفسه الذي وافقت فيه «القوات اللبنانية» على حصتها، حيث كان من المفترض أن تطبع مراسيم التأليف في الخامسة مساء ذلك اليوم، قبل أن يطرح «حزب الله» مشكلة التمثيل السنّي، ويدعو أمينه العام السيد ​حسن نصرالله​ الى عدم استعجال تحديد المواعيد لولادة الحكومة.

وتشير الأوساط الى أنّ «الرتوش» النهائي للتشكيلة الحكومية سيبدأ فور الاتفاق على الإسم السنّي، وهذا «الرتوش» سيشمل معالجة مشكلة التمثيل ​الأرمن​ي حيث يحقّ للأرمن بوزارة خدمات ووزارة دولة، ووفق تشكيلة الثلاثين ستنال «القوات اللبنانية» الوزارة الخدماتية للحصة الأرمنية، وهذا ما يعترض عليه حزبُ «الطاشناق».

وتقول مصادر مطلعة على موقف «القوات» إنّ تشكيلة الثلاثين وتوزيع الحقائب ثابت ولا يمكن تغييره في اعتبار أنّ ما قبلت به «القوات» هو إتفاق متكامل بينها وبين عون والحريري وبموافقتهما، وبالتالي لا تبديل في الحقائب، أو على الأقل، لا افتئات على حصة «القوات» كما اتُفق عليها في الصيغة الثلاثينية.

«الرتوش» الاضافي، حسب الأوساط، سيحسم التوزير الماروني، فـ»التيار الوطني الحر» يعتبر أنّ حصته في التمثيل الماروني ضعيفة عددياً، وهو طلب من الحريري التبادل في المقعد الأرثوذكسي، لكن ذلك توقف بعدما طُرِح اسمٌ لم يحظََ بالغطاء الأرثوذكسي، والآن سيكون قبولُ الحريري بهذا التبادل ضرورياً لتفادي ازمة التمثيل الماروني، مع العلم أنه متمسّك بتوزير الدكتور ​غطاس خوري​، لكن ضرورة الولادة السريعة للحكومة قد تملي التبادل السنّي الأرثوذكسي، لعدم إحراج التيار في اختيار اسماء غير مارونية لحقائب مهمة ك​وزارة الطاقة​، التي لن يستطيع التيار أن يسمّي وزيرا مارونياً لها إذا أُجهِضَت المحاولة.

في خلاصة الاشهر الطويلة للولادة العسيرة، تلخص الاوساط جملة مكاسب وخسائر تعرض لها الأطراف السياسيون الذين شاركوا في «ماراتون» المطالب والأحجام. أوّل هؤلاء «القوات اللبنانية» التي حافظت، على رغم من خسارتها النسبية، على حجمها داخل الحكومة، ثم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ​وليد جنبلاط​ الذي تمّ اختراقُه درزياً، فالحريري الذي سلم بالتمثيل السنّي من خارج كتلة «المستقبل» ولكن مع تحقيق مكسب معنوي تمثل بإستبعاد نواب 8 آذار.

ويبقى عهد عون الأكثر تضرراً حيث اضطر الى التراجع امام مطالب «حزب الله» بعدما سبق له أن تقدّم في وجه «القوات» وجنبلاط، كذلك قَبِلَ بعشرة وزراء على رغم استماتة الوزير ​جبران باسيل​ لنيل «الثلث المعطل»، وتراجع عن صيغة الـ32 وزيراً التي كان يأمل من خلالها أن يكرّس تمثيل الأقليات في مقعد دائم في كل الحكومات المقبلة. وهذا التراجع تقابله مكاسب من حيث الشكل، إذ حرص على أن تولد الحكومة بفعل المشاورات التي أجراها في ​قصر بعبدا​، وهذا الأمر يكتسب أهمية رمزية بالنسبة الى عون ستُستخدَم في ترميم ما اهتزّ من صورة «الرئيس القوي».