لم يكن قرار ​البيت الابيض​ بسحب الجنود الاميركيين من ​سوريا​ مفاجئاً لمن يطّلع على مسارات ​السياسة​ الأميركية تجاه الأزمة السوريّة. سبق وان طرح الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ مسألة سحب جنوده منذ ثمانية أشهر، لكنه أرجأ تنفيذ القرار. هو يصيب الآن، اكثر من هدف بخطوة واحدة: يترجم التزامه أمام الروس، بترك سوريا لنفوذ ​موسكو​، مقابل ترقب انسحاب الإيرانيين من سوريا، الأمر الذي يريح ​تل أبيب​.

يتفرّج على تنازع السوريين والأتراك على السيادة والنفوذ في المنطقة. يُبعد جنوده عن مخاطر المواجهات بين الكُرد والأتراك.

يتفرّغ لحل الصراع الإسرائيلي-العربي، من خلال مشروع تسووي يحذّر الاوروبيون، ترامب، من ان يكون بلا حل الدولتين.

كل ذلك، لا يُخفي أن المسألة الأساسية تكمن بفرض ترامب خياره على "المؤسسة العميقة"، ولذلك جاء اعتراض "​البنتاغون​" على قرار ترامب. ومن هنا، تتزايد في النزاع القائم بين ادارة ​البيت الأبيض​ و"استابلشمنت"، انتصارات ترامب بحق المؤسسة الامنية العميقة.

لكن الروس يخططون لضبط إيقاع اللعبة، خصوصا ان موسكو على علاقة طيبة مع كل الأطراف اللاعبة، وتحديدا السوريين والأتراك. وهنا يبدو لبّ النزاع. فأين سيكون الكُرد؟ هم اعتبروا ان القرار الأميركي هو طعن لهم ولتضحياتهم، وعدم الاكتراث بمشروعهم، ولا بوجودهم، بل تركهم لقمة سائغة لأنقره ولداعش، بعد توظيفهم في مصالح الأميركيين. سيكون ​الأكراد​ الآن مضطرين للجوء مجدداً الى ​الشام​، واعادة الانضباط تحت لواء "سوريا الأسد"، لأنهم سيكونون اهدافا سهلة لفريقين: تنظيم "داعش" الذي يريد الانتقام منهم، والأتراك الذين يسعون للقضاء على أيّ نفوذ كردي، مهما كان تواضعه وبساطته.

اصبحت المعادلة قائمة على اساس ان خصوم واعداء سوريا يتصارعون بين بعضهم، ويصفّون بعضهم. لقد باتت سوريا اكثر راحة، وتستطيع ان تجري تكتيكات سهلة، تهدف من خلالها الى اعادة مناطقها الى حضن الدولة. فكل من راهن على المسلّحين سابقا سقط رهانه، وكل من راهن على الكرد يسقط الآن رهانه، وكل من اعتمد على الوجود الأميركي سيرحل اعتماده مع الراحلين، وكل من يعتمد على الأتراك سيكون مادة للتفاوض برعاية روسية.

دارت الازمة سنوات ثماني تقريبا، وعادت الى الأشهر الاولى من عمرها، يوم طرحت القيادة السورية التفاوض والحوار، فكرَّت الشروط وتعرقلت التسويات. بعدها دمّرت الحرب مظاهر ​الحياة​ في سوريا، لتعود الآن سريعة.

لن تكون زيارة الرئيس السوداني ​عمر البشير​ يتيمة، بعده يحل الرئيس العراقي في دمشق، وبعده تأتي الوفود العربيّة والغربيّة لفتح السفارات في الشام.