قررت ​الأمم المتحدة​ في عام 2012 عبر منظمة ​اليونسكو​ إعتماد يوم الثامن عشر من كانون الأول من كل عام، يوم اللغة العربية لغة رسمية في الأمم المتحدة، ومنذ ذلك التاريخ لم يلق هذا الإعتماد إهتماما في البلاد العربية، لأن الأونيسكو التي تحتفل بيوم عالمي لأبرز اللغات العالمية كإرث ثقافي وإنساني إختارت لأيامها العالمية مناسبات تعني رمزية معينة للشعوب الناطقة بهذه اللغات، فاليوم العالمي للغة الفرنسية هو يوم التأسيس العالمي للفرانكوفونية بموجب إتفاقية نيامي في 20 آذار من كل سنة أي تاريخ نشأة الفرانكوفونية وما ترمز إليه من عالمية اللغة الفرنسية، واليوم العالمي للغة الإنكليزية هو يوم ميلاد الشاعر العالمي والمسرحي ​وليام شكسبير​ في 19 شباط من كل عام ، واليوم العالمي للغة الصينية هو يوم ميلاد سانغ جيه مؤسس الأبجدية الصينية في 20 نيسان من كل عام .

في تاريخ اللغة العربية رموز وأسماء لها أوزان وآثار عظيمة، من لغويين اهتموا بالتنقيط أو وضعوا قواعد للصرف والنحو كأبي الأسود الدؤلي أو سيبوية، وشعراء كبار ذاع صيتهم في العالم كالمتنبي وابي العلاء المعري، أو مؤلفين وعلماء وباحثين كالجاحظ، لكن ثمة علامة فارقة في تاريخ اللغة العربية كلغة عالمية، هي ولادة أول قاموس عربي، وترجمة ​الكتاب المقدس​ إلى العربية، وولادة صحافة يومية باللغة العربية، وهذه الومضات الخالدة، هي احداث عالمية في تاريخ اللغة العربية ولدت على يد شخصية لبنانية هي المعلم بطرس البستاني، والأهم أنها إستهلكت حياته المليئة بالجهد والتعب والمثابرة، التي كانت شبه مكرسة لهذه الغاية النبيلة بين عامي 1819 و1893.

أعظم أثار المعلم بطرس البستاني على الإطلاق دائرة المعارف التي عرفها بقوله "إنها قاموس عام لكل فن ومطلب"، وقد صدر منها في حياته ستة أجزاء، وصدر منها بعد وفاته خمسة أجزاء وهي موسوعة لغوية عصرية وحديثة نقلت اللغة العربية إلى العالمية في منهج تعريفها وشرح معاني مفرداتها ومن ضمنها قواعدها اللغوية، وقد أتبعها بقاموس عصري للعامة هو محيط المحيط الذي لا يزال حتى يومنا هذا أكثر القواميس العربية غنى وإجابة عن سؤال الباحثين في اللغة، وقد طبعه المعلم البستاني في مجلدين كبيرين في ​بيروت​ عام 1870م ورفعه إلى السلطان العثماني، فنال عليه الوسام المجيدي الثالث ولا يزال هذا المعجم أحد أهم المعاجم العربية الحديثة، يحتاج إليه كل عالم لغة وطالب بحث، رغم مرور أكثر من مئة عام على تأليفه وذلك لأنه رتبه على حروف المعجم باعتبار الحرف الأول من الثلاثي المجرد، وجمع فيه كثيراً من مصطلحات العلوم والفنون سواء منها القاموسية أم المعّربة وشرح أصول بعض الألفاظ الأجنبية وجمع كثيراً من الألفاظ العامية الحية وفسرها واعتمد المعاجم القديمة الموثوقة واستخدم العبارة السهلة البسيطة .

وفي بعد عالمي آخر للغة العربية بتضمينها نصوص الكتاب المقدس، وربط ​المسيحية​ باللغة العربية، إشترك المعلم البستاني في إنجاز ترجمة الكتاب المقدس من اللغة الأصلية بالكامل إلي اللغة العربية الذي انتهي ترجمته في 23 آب سنة 1864 وأشترك معه الدكتور عالي سمث والشيخ ناصيف اليازجي والدكتور كرنيليوس فان دايك والشيخ يوسف الأسير الأزهــري. ويبدو أيضا أن المعلم البستاني اشترك في إنجاز فهرست الكتاب المقدس حيث ظهرت الطبعة الأولي للكتاب المقدس باللغة العربية في 29 آذارسنة 1865، وأما فهرست الكتاب المقدس فقد ظهرت الطبعة الأولى منه في عام 1875 .

وفوق كل ذلك كان المعلم البستاني من جيل الأوائل الذين أطلقوا الصحافة العربية، فكانت على يديه صحيفة مشرقية أسماها "نفير سورية " وكانت له صحف أدبية وسياسية وإجتماعية حملت أسماء الجنان والجنة الجنينة .

لم يكتف المعلم البستاني بكل ذلك فأسس سنة 1863م" المدرسة الوطنية " الشهيرة، وكانت أول مدرسة وطنية عالية فأمها الطلاب من مختلف الطرائف ومختلف المناطق، ومن البلدان المجاورة ليتعلموا فيها، وفي جملة ما يتعلمونه العربية والإنكليزية والفرنسية ومحبة الإنسان والتعلق بالأوطان. وأكثر ما عرف به المعلم هو اللغة والتأليف فقد اشتغل بالتأليف فصنف كتباً متعددة في الحساب والنحو والصرف واللغة والأدب كما ترك لنا أثاراً كان لها أبلغ الأثر في ثقافة عصره.

اليوم يجمع العلمانيون والنهضويون على مساحة البلاد العربية بإطلاق صفة " أبو التنوير" على المعلم بطرس البستاني، وهو الداعية لتحرر ​المرأة​ ولنبذ التمييز على اساس الدين بين الناس والساعي لدولة عصرية مدنية، ويصفونه بلا تردد بالمعلم، فهل يكرم لبنان هذا الرمز التاريخي بالتوجه ل​جامعة الدول العربية​ لتنظيم توجه عربي جامع نحو منظمة اليونسكو لإعادة النظر بتسمية اليوم العالمي للغة العربية، وجعله في الأول من أيار من كل عام، ليكون أول أيار عام 2019 الذكرى المئوية الثانية لميلاد المعلم بطرس البستاني يوم إحياء الموعد الجديد لليوم العالمي للغة العربية ؟