اشار ​السيد علي فضل الله​ الى ان الجميع باتوا ينتظرون ولادة حكومة جديدة طال انتظارها، بعدما تكلَّلت بالنجاح الجهود التي بُذلت، بدءاً برئيس الجمهورية، من أجل حلّ العقدة السنيّة التي شكَّلت عقبة كأداء أمام تأليفها، وبعدما شعر المعنيون بهذه العقدة بأن لا خيار لهم إلا بتقديم تنازلات متبادلة. لقد جاء هذا الحلّ، وبالطريقة التي تم بها، ليؤكّد مجدداً ما كنا قلناه في هذه الأزمة، أن لا غالب ولا مغلوب في هذا البلد، وأنه محكوم دائماً بالتسويات.

اضاف فضل الله خلال خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في ​حارة حريك​، "من حق اللبنانيين، وبعدما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، أن يتساءلوا: أما كان الأجدر أن تحصل هذه التسوية قبل سبعة أشهر؟ ومن يتحمّل مسؤولية التأخير الذي أوصل البلد إلى كل هذا التردي على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، وأشاع أجواء التوتر التي شهدها؟ إننا لن نقف في ذلك على أطلال الماضي، ولا نرى جدوى في الحديث عن المحاسبة لكلِّ القوى السياسية، ولكننا نريد لهذه القوى أن تستفيد مما جرى، لتفادي الكثير من العقبات التي قد تنتصب أمامها، وللإسراع في علاجها، فلا تعالج مجدداً بمنطق النزال والصراع أو المناكفة، أو بأن يقف كلّ في موقعه ولا يتنازل للآخر.. فمثل هذا المنطق لا يحقق أي نتائج في بلد كهذا البلد".

واعتبر إنَّ على ​الحكومة​ القادمة أن تضع نصب عينيها الواقع المزري الّذي وصل إليه البلد، والذي جعله في دائرة المخاطر، ومعاناة إنسانه ومتطلباته، إذ إنّ الإنسان فيه بات يفتقد أدنى مقوّمات الحياة، ولا يشعر بأنَّه يعيش في بلد يحترم فيه إنسانيّته. ولفت إنّنا لن نغالي في قدرات الحكومة القادمة، فنحن نعرف حجم الأزمات التي يعانيها لبنان، ولكن من حق الإنسان في هذا البلد أن يرى أنَّ هناك عقلية جديدة في إدارة شؤونه، تكون بعيدة كلّ البعد عما اعتاده اللبنانيون، عقلية تأخذ في الاعتبار تقديم المصالح العامة على المصالح الخاصة، عقلية تواجه الفساد والاستئثار والمحاصصة وتقاسم الجبنة، عقلية تتفاعل مع الخارج، ولكن لا تقدم مصالح الخارج على حساب مصلحة الداخل. واوضح إنَّ العهد الذي اعتبر أنَّ هذه الحكومة حكومته، هو اليوم أمام تحدٍ، وعليه أن يثبت نجاحه الذي لن يحصل إلا إذا تعاون مع الجميع وتعاون الجميع معه. ومن موقع آخر، وليس بعيداً عن هذا الموقع، شهدنا في الأيام السابقة تحركات شعبية متعددة الأطراف والجهات في الشارع، تطالب بوقف الهدر والفساد والإصلاح وتأمين حقوق الناس المهدورة على كل المستويات، ونحن في ذلك نرى أنفسنا مع أي تحرك شعبي ومطلبي مدروس وحكيم، لأننا نرى دوراً للشعب لا بدَّ من أن يقوم به في مواجهة الأزمات التي يعانيها، لأنّ أيّ فئة من الطبقة السياسية في هذا البلد لن تضبط حركتها أو تقوم بدورها أو تصغي إلى معاناة إنسانه، إن لم تشعر بوجود شعب يضغط، بوجود رقابة شعبيّة حقيقيّة تتحرّك، حيث ينبغي أن تتحرّك لا بقرار سياسيّ من هنا أو هناك، أو أن تكون جزءاً من اللعبة السياسيّة أو في خدمة مواقع سياسيّة.

وتابع قائلا "يبقى أن نشير، وفي إطار الحديث عن تلوّث الليطاني والكارثة التي حلَّت به، إلى أهمية الإجراءات القضائية التي حصلت على خلفية هذا ​التلوث​، الذي يشير إلى استفاقة ​القضاء​ في التعامل مع الذين يسيئون إلى بيئة الناس وصحتهم. وإننا نأمل أن يتعزَّز هذا المسار، وأن لا تعرقله تدخلات، كما يحصل غالباً، تدخلات سياسية أو طائفية.. إننا نريد تعميم هذه المحاسبة، لتشمل كل الذين يفسدون، أن يروا أنفسهم مدانين من قضاء ينطق بالحق، ويكون بعيداً كل البعد عن أي تدخلات سياسية".