منذ بروز عقدة تمثيل النواب السنة المستقلين حتى اليوم، تُطرح الكثير من الأسئلة حولها، لا بل يمكن القول أن أحداً لم يملك، حتى الساعة، جواباً واضحاً حول خلفياتها وأسبابها، رغم أنها قادت إلى تأخير الولادة الحكومية نحو شهر ونصف الشهر، بعد حل عقدة تمثيل حزب "القوات اللبنانية".

وإنطلاقاً من الصدمة التي رافقت صيغة الحل الذي تم التوصل إليه في نهاية المطاف، لا بد من السؤال عما إذا كان أعضاء "​اللقاء التشاوري​" أخطأوا في تقدير الموقف جيداً، خصوصاً أنهم لم يعلموا بالشخصية التي ستمثلهم إلا عبر وسائل الإعلام، أم أنهم تعرضوا لعملية "سلب" لحقهم؟!.

بناء على ذلك، من الضروري العودة إلى حيثيات هذه العقدة من البداية حتى النهاية، فقبل الإنتخابات النيابيّة الأخيرة، كان النائبان فيصل كرامي وجهاد الصمد ينويان الإنضمام إلى كتلة رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، لكن بعد الإنتهاء من هذا الإستحقاق قرر الثنائي الإلتحاق بكتلة تيار "المردة"، إلى جانب النائبين فريد هيكل الخازن ومصطفى الحسيني.

في السياق نفسه، كان محسوماً أن النائب قاسم هاشم سيكون من أعضاء كتلة "التنمية والتحرير"، التي ترشح باسمها إلى الإنتخابات النيابية، وان النائب الوليد سكرية سيكون من حصة كتلة "الوفاء للمقاومة"، في حين يبقى من النواب المستقلين كلّ من عدنان طرابلسي وعبد الرحيم مراد.

على هامش مشاورات التأليف، عمل هؤلاء النواب على بناء "اللقاء التشاوري"، وسعوا إلى أن يضم كل النواب السنّة الذين لا ينتمون إلى كتلة "المستقبل"، لكنهم اصطدموا بموقف النائب أسامة سعد، الذي رفض الإلتحاق بلقاء ذو طابع مذهبي محض إنطلاقاً من قناعاته السياسية، بينما النائب فؤاد مخزومي رفض أن يكون محسوباً على قوى الثامن من آذار بعد أن رفض سابقاً التحالف مع هذه القوى في الإنتخابات، في حين كان ميقاتي يسعى إلى أن يكون له حصة خاصة بعيداً عن أي فريق آخر، بينما إنتماء بلال عبدالله لكتلة "اللقاء الديمقراطي" و"الحزب التقدمي الإشتراكي" واضح.

قبل الإعلان عن حلّ عقدة تمثيل "القوات اللبنانية"، من خلال موافقة رئيس الحزب سمير جعجع على الحصة الوزاريّة الأخيرة التي عرضت عليه، كان هناك قناعة لدى بعض أعضاء "اللقاء التشاوري" بأن الأمر حسم، ولن يكون هناك من ممثل لهم على طاولة مجلس الوزراء، وأحدهم عبر، عند تسريب "حزب الله" الأنباء عن أنه أبلغ المعنيين بأنه حريص على تمثيلهم، بأن هذا ليس أكثر من "بالون إعلامي"، ليبرر لهم لاحقاً عدم القدرة على تمثيلهم، على قاعدة أنه سعى إلى ذلك لكنه لم ينجح.

صدم أعضاء اللقاء بأنّ الحزب جاد في هذا المطلب، بعضهم لم يكن يصدق هذا الأمر، إلا أن المفاجأة كانت بأنهم عملياً لم يكونوا على قلب رجل واحد، كل منهم سعى إلى أن يكون هو الوزير المنتظر، خلال مرحلة حصر التمثيل بواحد منهم، قبل أن تظهر التسوية الأخيرة، التي فرضت عليهم إختيار ممثل عنهم، لتبدأ مرحلة ثانية من الصراع الداخلي، حيث سعى بعضهم إلى أن يحسبَ هذا الممثل عليه حصراً، ما أدى إلى فشلهم في الإتفاق على إسم واحد يقدم إلى المعنيين في عملية التأليف، تحديداً رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ الذي سيكون الوزير السنّي السادس من حصته.

نتيجة هذه الوقائع، هبط من خارج دائرة اللقاء اسم الوزير "المنتظر"، جواد عدرا، الذي علم بعض أعضاء اللقاء به عبر وسائل الإعلام، بعد أن كانت الأسماء المعلنة هي: حسن مراد، طه ناجي، عثمان مجذوب، نظراً إلى أن النائب قاسم هاشم سلّم هذا الإسم إلى مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم دون أن يكشف عنه، ما أشعر أعضاء اللقاء بأنهم تعرضوا لعملية "غدر" من قبل زميلهم، نظراً إلى أن هاشم ما كان ليقترح اسم عدرا من دون تزكية مباشرة من مرجعيته السياسية، أي رئيس المجلس النيابي نبيه بري.

عدرا، أو الوزير "الملك"، لم يكن يعرف أعضاء اللقاء بأنه سيكون ممثلاً عنهم، بعضهم لم يكن يعلم أنه من الطائفة السنّية فكيف هو الحال بالنسبة إلى إنتمائه إلى قوى الثامن من آذار، لكن عملياً هو نقطة إلتقاء بين أكثر من جهة، أو يمكن القول أنه نقطة إلتقاء بين كل من رئيس الجمهوريّة ورئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة المكلّف، لكن حضوره على طاولة مجلس الوزراء سيكون "ملتبسا"، والسؤال اليوم يطرح جدياً عن موقعه عند وقوع أي خلاف، خصوصاً أن أعضاء اللقاء كانوا، حتى يوم أمس، يسعون إلى ضمان أن يكون قرار عدرا مرتبطا بهم.

في المحصّلة، لم يكن أعضاء "اللقاء التشاوري" ليرضوا عن الحل النهائي لهذه العقدة، رغم أنهم كسبوا في مكان ما إعترافاً بحقهم في التمثيل ضمن حكومة الوحدة الوطنية، إلا أن الأكيد أنهم وقعوا في خطأ جوهري على مستوى تقدير الموقف، ما يفرض عليهم مراجعة هذا الأمر جيداً في حال كان التوجه لديهم هو إبقاء هذا اللقاء على قيد الحياة.