منذ سبعة أشهر، تتضارب المعلومات والتقارير والتحليلات بشأن الأسباب الفعليّة وراء التعثّر المُتواصل في ​تشكيل الحكومة​. وقد جرى التحديث عن "سيناريوهات" عدّة في هذا المجال، منها الخلاف بين "التيّار الوطني الحُرّ" و"القوّات اللبنانيّة" على الحصّة المسيحيّة، ومنها الخلاف بين "الحزب التقدّمي الإشتراكي" و"​الحزب الديمقراطي اللبناني​" على الحصّة الدرزيّة، ومنها الخلاف بين "تيّار المُستقبل" وسُنّة قوى "8 آذار" على الحصّة السُنّية، إضافة إلى حديث عن تقاطع أكثر من جهة سياسيّة على رفض منح كل من رئيس الجُمهوريّة العماد ميشال و"التيّار الوطني الحُرّ" حصّة مُجتمعة تضمّ 11 وزيرًا. وخلال الساعات والأيّام القليلة الماضية تبيّن بلمس اليد أنّ هذه العقدة الأخيرة هي الأكثر جديّة، حيث سقطت مُبادرة الحلّ الأخيرة بسببها، بغضّ النظر عن المواقف الإعلاميّة التي تنفي هذا الأمر، ومنها مواقف إيجابيّة منقولة عن "​حزب الله​" بأنه لا يُعارض حُصول الرئيس وفريقه السياسي على "الثلث الضامن". والدليل الحسّي ما حصل مع مُبادرة مدير عام الأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم، إضافة إلى إعادة تحريك مسألة توزيع بعض الحقائب الوزاريّة، الأمر الذي زاد الطين بلّة.

فمُبادرة اللواء إبراهيم التي كادت تحلّ ملفّ التعثّر الحُكومي الذي طال أمده، كانت تنصّ على تنازلات مُتبادلة، وليس على تنازلات من جانب أطراف مُحدّدة في مُقابل تشدّد أطراف أخرى! فالمطلوب من رئيس الجمهوريّة كان تقديم المقعد السنّي الذي هو من حصته لصالح شخصيّة تُمثّل نوّاب "​اللقاء التشاوري​" بشكل غير مُباشر، على غرار ما حصل مع الحلّ الذي إعتمد لتمثيل "الحزب الديمقراطي اللبناني"، وقد وافق رئيس الجُمهوريّة على ذلك. وكان المطلوب من رئيس الحكومة المُكلّف ​سعد الحريري​ ألاّ يرفض تمثيل شخصيّة سنّية من خارج "تيّار المُستقبل" إضافة إلى تلك التي ستُمثّل "تيّار العزم"، بحيث تنكسر تمامًا حصريّة التمثيل السُنّي في الحكومة، وأن يلتقي الحريري بنوّاب "اللقاء التشاوري" في بعبدا أو في السراي أو في أي مكان آخر، وقد وافق رئيس الحُكومة المُكلّف على ذلك أيضًا. وكان المطلوب من نوّاب "اللقاء التشاوري" أن يُوافقوا على ألاّ يتمثّلوا بشكل مُباشر في الحكومة، أي ليس بنائب منهم، بل بشخصيّة من خارج صُفوفهم، وقد وافقوا على ذلك بعد أخذ وردّ نتيجة خلافات بين أعضائهم على إسم هذه الشخصيّة. وبعد أن جرى التوافق من خلف الكواليس على أن يكون رئيس مؤسّسة "الدوليّة للمعلومات" جواد عدرا، هو الشخصيّة السنّية التي سيتقاطع تمثيل رئيس الجمهورية ونوّاب "اللقاء التشاوري" في الحُكومة بها، عادت الأمور إلى الوراء–حتى لا نقول إلى نقطة الإنطلاق، بسبب عودة نوّاب "اللقاء التشاوري" إلى التشدّد مُجدّدًا من خلال الإصرار على أن يُعلن عدرا أنه يُمثّلهم حصرًا في الحكومة، مُطالبينه بالإنضمام إلى إجتماعات كتلتهم وبالتقيّد بقراراتها حصرًا، أي عمليًا سحب الوزير السنّي من حصّة رئيس الجمهورية بشكل كامل، بشكل يُناقض الإتفاق الذي كان سبق وحصل بجُهود اللواء إبراهيم، والذي كان ينصّ على تمثيل مُتقاطع لكل من الرئيس و"اللقاء التشاوري".

وبعد ما حصل، يُمكن تسجيل النقاط التالية:

أوّلاً: إنّ نوّاب "اللقاء التشاوري" طرحوا العديد من الأسماء للتوزير، وكان كل نائب أو نائبين في صُفوفهم يشدّ في إتجاه مُعيّن، من دون التقاطع على شخصيّة واحدة في ما بينهم، في دليل على غياب مركزيّة القرار في هذه الكتلة المُركّبة والتي تدين بالولاء لأكثر من جهة في آن واحد.

ثانيًا: إنّ إسم جواد عدرا أُسقِط على نوّاب "اللقاء التشاوري"، في دليل على أنّ القرار النهائي لا يصدر عنهم بل عن الجهة السياسيّة التي تقف خلفهم، وهم سارعوا إلى مُعارضة هذا الأمر، قبل أن يعودوا ويوافقوا بعد فترة قصيرة، بشرط أن يُمثّلهم عدرا بشكل حصريّ، وكأنّ هناك من يُحدّد شروط التفاوض عنهم، سلبًا أم إيجابًا، وتشدّدًا أم ليونة!.

ثالثًا: إنّ مطلب تمثيل عدرا لنوّاب "اللقاء التشاوري" حصرًا، وأن يتقيّد باجتماعات اللقاء وبقراراته حصرًا، يستهدف رئيس الجمهورية بشكل واضح دون سواه، حيث أنّ هذا المطلب يعني عمليًا سحب الوزير السُنّي من يدي الرئيس بشكل كامل، بدلاً من أن يكون الوزير السُنّي المُختار يُمثّل نقطة تقاطع بين رئيس الجمهورية من جهة ونوّاب "اللقاء التشاوري" من جهة أخرى. ويعني عمليًا أنّه ممنوع على كل من رئيس الجمهوريّة و"التيّار الوطني الحُرّ" الحُصول على حصّة مُجتمعة تضمّ 11 وزيرًا، ولا حتى حصّة تضم 10 نوّاب زائد 1 أو 9 نواب زائد 2، إذا إحتسبنا أنّ نائبًا درزيًا وآخر سُنيّا لا يُمثّلان الرئيس بشكل مباشر بل بشكل غير مباشر عبر تقاطع هذا التمثيل مع قوى أخرى، أحدهما مع النائب ​طلال أرسلان​ والآخر مع نوّاب "اللقاء التشاوري". والمسألة ليست في رقم بالزائد أو بالناقص، بل هي مُرتبطة بقرار يرفض منح العماد عون والفريق السياسي الذي يُمثّله أغلبيّة على طاولة مجلس الوزراء تتيح له الوُقوف بوجه أيّ قرار أساسي مُهمّ حصرًا، لأنّ القرارات العادية تستوجب أغلبيّة عدديّة عادية ضُمن الحُكومة، بينما المواضيع الإستراتيجيّة والبالغة الأهميّة هي وحدها تتطلّب أغلبيّة الثُلثين.

وبالتالي، يُمكن القول في الخُلاصة، إنّ الأمور ظهرت على حقيقتها، حيث أنّه ممنوع على الرئيس عون والفريق الذي يُمثّله، التمتّع بقرار حاسم على طاولة مجلس الوزراء، وهذا دليل عدم ثقة خطير، والأخطر أنّ قرار المنع المذكور جاء من الحليف المُفترض للتيّار وليس من خُصومه السياسيّين! وبالتأكيد إنّ هذه العرقلة المُفتعلة للعهد الرئاسي تدلّ على نيّات غير صافية تجاهه.