شدّد راعي أبرشية بعلبك ودير الأحمر المارونية المطران ​حنا رحمة​، على أنّ "المسيحي في هذا الشرق ليس مجرّد عابر سبيل، إنّما هو علامةٌ فارقة وملحُ الوجود، رغم كلّ ما رأيناه لا سيما في ​سوريا​ و​العراق​".

ولفت في حديث صحافي، إلى أنّ "ما اختبرناه في ​لبنان​ من ظروف في السنوات الماضية نموذج قد لا يشجّع على التمسّك والتشبّث بالأرض، ولكن اليوم توصّلنا إلى اقتناع تام أنّنا إذا ظُلِمنا كمسيحيين في هذا الشرق، لا يجب أن نَظلُمَ الآخرين"، منوّهًا إلى أنّ "ما شهده العالم من ظهور لتنظيم "داعش" سبقه "دواعش" بأنواع وأشكال ومظاهر أخرى، حاولت اقتلاعَ المسيحيين من الشرق، وبقينا "حُصرم بعين الكل".

وركّز المطران رحمة على أنّ "هجرة المسيحي من الشرق تضرّ بأخيه المسلم قبل المسيحي نفسه"، داعيًا المسلمين إلى "التمسّك بالمسيحيين قيمة أساسية في هذا الشرق". وأكّد أنّ "الغاية ليست "تعميد" (إعطاء سرّ المعمودية) المسلم في هذا الشرق، إنّما العيش معًا معنى المحبة والشراكة والشهادة في الحضور، عندها يغتني المسلم والمسيحي على حدٍّ سواء، ويتسنّى لكلّ منهما القيام بفعل الخير والمحبة".

كما بيّن أنّ "مساحات التلاقي والتحاور في القضايا المعيشية، الاجتماعية والاقتصادية أوسع من أيِّ اختلاف، فما يجمعنا أقوى ممّا يفرّقنا"، موضحًا أنّ "الحياة مليئة بالتحدّيات، وتعتصرها الأطماع خصوصًا في ظلّ ما يحوط بنا من ثورات متلاحقة وانغماسنا بما يحوط بنا من تكنولوجيات وتقنيات وتيارات، لذا آن الأوان لإعادة الله إلى مجتمعاتنا والعودة إلى الإيمان"، مشيرًا إلى أنّ "البشرية أمام مفترق طرقٍ ومحكٍّ جدّيٍ، إن لم يعد الناس إلى دينهم سيكونون أمام كارثة إنسانية تدميرية".

وجزم أنّ "علينا أن ندرك أنّ هذه العودة إلى الله لا يجب أن تكون سطحية أو عاطفية إنّما مبنية على اقتناع وتنوّر وإيمان بالله"، كاشفًا أنّ "كثيرين عملوا على هذا المخطط، وربما نجحوا في اقتلاعِ جزءٍ منّا، ولكن لا خوفَ على المسيحيين طالما أنّهم يعيشون إيمانهم مع الآخرين حيث يوجدون في أصقاع العالم. أنا لي ملء الثقة بهم وبالإنجازات الّتي يحقّقونها، ولكنّي أخشى عليهم فقط حين يغلبهم اليأس من مسيحيّتهم ويراهنون على أمور بعيدة عن إيمانهم تُدخلهم في متاهات الدنيا".

كذلك، رأى رحمة أنّ "قبل أن يعاني لبنان من أزمة أمنية، سياسية أو اقتصادية، أزمتنا أخلاق في الأساس، لأنّ مَن يعرف الله في حياته من غير الممكن أن يُباع أو يُشترى، ومن غير الممكن أن يؤذي بلده أو يسرق شعبه"، لافتًا إلى "أنّنا ندخل بعض الوزارات أحيانًا ونشعر أنّنا دخلنا ملعبًا لكرة القدم وأنّنا طابة يتمّ تقاذفُها من مكتب إلى آخر، نتيجة غياب الضمير والأخلاق".

وناشد القياديين عمومًا والزعماء المسيحيين والمسؤولين خصوصًا، بـ"التحلّي بالأخلاق ​المسيحية​"، مركّزًا على أنّ "على كلّ مسيحيٍّ مسؤول سواءٌ كان مديرًا أو نائبًا أو وزيرًا، أن ينطلق بعمله من إيمانه المسيحي ليكون صالحًا أمام الشعب كله ومحيطه وليس فقط مع الجماعة الّتي يمثلها، فالمسيحية ليست "موضة" إنّما نمط عيش وأسلوب صادق في التعاطي من منطلق "الله يراني" والسهر والتفاني في العمل".

من جهة ثانية، أكّد رحمة أنّ "الميلاد فرصة لتحصين المصالحات المسيحية"، قائلاً: "المصالحات المسيحية انطلاقة جيّدة لا بدّ من تحصينها وتعزيزها، بصرف النظر عمّا يمكن أن تتعرّض له من تحدّيات بحكم المنافسة السياسية، فالمصالحة تعزّز الصف المسيحي، وتحوطه بأمان وبمعنويات".

ولا ينكر أنّ "بعض تلك المصالحات قد يهتز"، موضحًا أنّ "لا شكّ أنّ الانتخابات نقضت بجزء من هذه المصالحات بحكم ما تفرضه من تنافس، ولكن "مش مشكلة". المهم أن نمضي قدمًا، والمصالحة الأخيرة الّتي حضنتها ​بكركي​ بين "​حزب القوات اللبنانية​" و"​تيار المردة​" هي أهمّ المصالحات نظرًا للتلاحم الجغرافي والجرح العميق الّذي كان قد نتج منها".

وأعرب رحمة عن أسفه لـ"مساعي بعض السياسيين إلى تبنّي نهج "خاصم لتوجد نفسك". لا يمكننا الاستمرار والحفاظ على وجودنا في الخصام واعتماد سياسة "فرّق تَسُد" لنوسّع شعبيتنا وحيثيتنا، نكسب جمهورنا ومحبّتنا من خلال شعورنا بوجع الآخرين والتهافت على خدمة المواطنين، عندها يكون الزعيم المسيحي صالحاً وقائداً، فالشعبية لا تُبنى على شتم الآخرين".

ووجد أنّ "ما من ظرف أبشع من أن يغادر المرءُ وطنه لأنّه ليس محسوبًا على أيِّ فريقٍ سياسيّ أو طرفٍ حزبيّ"، مبديًا أمله في أن "يحمل زمن الميلاد الخلاص للبنان ومع ​تشكيل الحكومة​ فرصة لإعادة النظر في السياسة المعتمدة وإحتضان الشباب وتوفير كلّ ما يلزم لهم لأنّهم عصب البلاد واستثمارها الرابح".