قبل مجيء المسيح، غمرت الظلمة والكآبة والقلق والخوف والحزن الناس، وخصوصًا شعب الله المختار الذي كان موعودا بالمخلص الذي سيأتي ويحرره من الأنظمة الدكتاتورية التي حكمت المنطقة وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا.

خرق هذا النور النازل من السماء الظلمة التي كانت تلف الناس، قائلاً لهم لم آتِ لأغيّر أنظمة بل لأقول لكم أنتم لا تنتمون لهذه الأرض، لذلك عندما بدأ رسالته ذكّرهم وقال لهم: أنتم في العالم ولكنكم لستم من العالم

فخرق النور الشعب السالك في الظلمة وأبصر نورًا عظيمًا.

كل أنوار الأرض لا تدل على الحقيقة، النور النازل من السماء هو وحده الذي يدل على الحقيقة وهي خلاص نفوسكم.

هذا هو ​عيد الميلاد​، ليذكرنا كل ليلة وليس فقط هذه الليلة ان الليلة مفصلية وأن الظلم والقلق لم يختفيا بل بالعكس، كل سنة نرتّل أشهر ترتيلة نعرفها منذ صغرنا "ليلة الميلاد يُمحّى البغض" هل برأيكم ليلة الميلاد تصالح جميع الناس المختلفين مع بعضهم؟ وامّحى البغض؟ يأتي بعض الذين لم يتصالحوا إلى الكنيسة ويرتّلون إذًا هذه الليلة ليست مصيريّة عندهم.

"ليلة الميلاد تُدفن الحرب"، كل سنة تقوى الحرب إن كانت حربا مادية أو معنوية.

المنطقة تغلي، العالم يغلي، حرب على الكنيسة، حرب على القيم ​المسيحية​، حرب على العائلة. دعاوى بطلان ​الزواج​ إلى تزايد وارتفاع، أليست هذه هي الحرب اليوم.

لنتأمل اليوم بالمغارة، بالنسبة للبعض هي ديكور يضعونها أينما كان في الأماكن العامة، ولكن لا المغارة هي من المقدّسات الموجودة عندنا فيها تمثال العذراء وتمثال مار يوسف. هل جميع الذين يمرون أمام المغارة يفهمون ما هو النور الذي يشعّ من هذا المكان؟ ماذا يريد يسوع أن يقول لي؟.

سنتأمل بأربعة شخصيات بالميلاد وكيف استقبلت عيد الميلاد وكل إنسان من المفترض أن يكون واحدًا منهم:

1–الشخصية الأولى: هيرودس

إن تأملنا ب​الإنجيل​، هيرودس الملك كان إنسانًا جشعًا، شهوانيًّا وصعبا ولم يقبل أن يأتي أحد ويسلبه المُلك. ككل إنسان اليوم لديه سلطة ويرفض أن يتواضع، فالإنسان الذي يستعمل سلطته للشر هو إنسان متكبّر، لأن المتواضع لا يشعرك بسلطته لأنه يستعلمها ليمجّد الله ويخدم الناس. يقول الإنجيل إنّ هيرودس لدى سماعه بولادة ملك جديد اضطرب واضطربت معه كل أورشليم.

إذًا شخصية هيرودس هي الرفض، رفض يسوع.

في ليلة الميلاد وكل هذا الزمن ما زال بعض الناس يرفضون الحقيقة ويرفضون يسوع.

كيف؟ بمجرد أن اعتبر نفسي أنني أعيش الميلاد ولكن لا أعيش ما طلبه مني صاحب العيد الذي هو بكل بساطة، وهو العنوان العريض الذي من أجله نزل إلى الأرض، وهو ​المحبة​، فالإنسان الذي لا يحب هو هيرودس.

2-الشخصية الثانية: المجوس

لم يكونوا من شعب الله المختار، هم وثنيون من بلاد فارس، هم علماء فلك وقد علموا بالنبوءة التي تقول عند ظهور هذا النجم هناك ملك سيولد على الأرض، أي أن الجماعة التي هي خارج الحظيرة، التي لا تعرف المسيح، سارت وراء النور البعيد عنها في السماء لتصل إلى الحقيقة.

بعض الناس وقفوا في نصف الدرب التي مشى عليها المجوس، أما المجوس أكملوا لأن النجم دلهم على الحقيقة وأتوا وسجدوا وقدموا أغلى ما عندهم. بعض الناس يبقون في نصف الطريق، يرَون المسيح ولكن لا يريدون أن يقتربوا لأنهم يعرفون أن من يقترب أكثر، عليه أن يُضحّي ويتخلّى ويتجرّد عن أمور كثيرة دنيوية. سيقول لهم يسوع لا تستطيعون أن تدخلوا ملكوت السماء وأن يخرقكم نوري ما لم تضحّوا وتتخلّوا عن الأمور الدنيوية والماديّة وروح العالم والسلطة. ممكن بعض الخطايا التي لا يستطيعون أن يتحرّروا منها حالهم حال كثير من الناس الذين يرَون النور ولكن يريدون البقاء بعيدين لأنّهم لا يقدرون أن يقدّموا أكثر.

3–الشخصية الثالثة: الرعاة

يقول الإنجيل: "ومجد الرب أشرق حولهم" النور بجانبهم وقال لهم الملاك لا تخافوا إني أبشركم بفرح عظيم، وُلِد المخلّص اذهبوا واخبروا. النور بجانب الكثير من الناس، أي النعمة موجودة عند باب بيتهم، ولكنهم لا يريدونها، أي ليس المطلوب منهم جهد كبير ولكنهم لا يأخذون إلا الذي يرضيهم.

أنا ملتزم بأخوية، أو بجماعة صلاة، أقدّس كل يوم، أي النور قريب مني في حياتي الروحية، ولكن ينقصني شيئا واحدا؛ عندما أتى الشاب الغني إلى يسوع وقال له يا رب كيف أرث ​الحياة​ الأبدية، أي كيف أخلّص نفسي، كيف أربح السماء –ما يجب أن يكون شوق كل إنسان من بعد عيد الميلاد– أجابه يسوع: عِش الوصايا، أجابه أنه يعيشها، أنظروا النور كم هو قريب منه، ماذا قال يسوع: ينقصك شيء واحد وتضمن الأبدية، بِع كل ما تملك وتعال اتبعني. يقول الإنجيل: فمضى حزينًا.

قلوبنا متعلقة بأمور كثيرة، بعاطفة بشرية، ممكن بخطيئة واحدة لا نستطيع أن نتحرّر منها وتكون العائق أمام دخولنا السماء.

4–آخر وأهم شخصية بشرية هي ​مريم العذراء

الوحيدة لأنها ممتلئة نعمة مجد الرب أشرق بداخلها، استقبلت الميلاد ومجد الرب بداخلها لأنها تواضعت،

أهم فضيلة نطلبها من العذراء عندما ننظر إليها، غير أن نتشبّه بها باللباس الخارجي، هي فضيلة التواضع، أكثر ما يجب أن نتعلّمه من عيد الميلاد هو عدم التعلّق بالمظاهر وأن نكون متواضعين ونعيش ببساطة.

لذلك النور الذي دخل العذراء وتجسّد بأحشائها ليلة الميلاد، يجب أن يخرقنا ولكن كيف؟ وهذه هي العبرة التي يجب أن نأخذها من العيد أن نتشبّه دائمًا بالعذراء الممتلئة نعمة ونكون دائمًا بحالة النعمة.

ماذا استفيد إن مضى عيد الميلاد وأنا لست أجاهد ضد الخطيئة حتى الندم، يجب عدم التراخي مع الخطيئة كحال الأهل الذين يسهلّون الخطيئة لأولادهم باعتبارهم لا مشكلة ليفعلوا ما يحلو لهم، فجميع الأولاد يفعلون هذا. ويأتي عيد الميلاد، وكأنّ لا علامة فارقة دخلت وقلبت جوّ البيت. يريد يسوع أن يقول إن لم تتحرر من الخطيئة في هذه الليلة فمتى تريد أن تتحرر؟ لقد تجسدت لأنتشلك من الخطيئة. إن لم تصالح أخاك هذه الليلة فمتى تريد أن تصالحه؟.

كما يقول ​مار شربل​ الذي انتقل إلى السماء في مثل هذه الليلة، "ليش الناس نازلة نزول ودرب السما طلوع"، هكذا يقول لنا طفل المغارة أيّها ​المسيحيون​ أنتم الحاملين اسمي لقد رسمت لكم الدرب طلوع لتصعدوا عليها.

بكل بساطة أحبّوا، سامحوا، تواضعوا، جاهدوا ضد الخطيئة، عيشوا الوصايا، توبوا، افعلوا الخير هذه هي الوسائل التي تربحنا السماء.