على وقع الخلافات المستمرة حول التشكيلة الحكومية، هناك إصرار من مختلف القوى على أن الأهم هو أن تكون "منتجة"، لا سيما أنها من المفترض أن تواجه الكثير من التحديات، على مختلف المستويات الإقتصادية والإجتماعية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو قدرتها على هذا الأمر، في ظل الصراعات التي ترافق عملية التأليف.

على هذا الصعيد، تعمل بعض المرجعيّات السياسيّة على تحضير الأرضية الشعبية لقرارات تصفها بـ"غير الشعبية"، بات من المؤكد أنها ستواجه بردّات فعل كبيرة في الشارع، خصوصاً أن التظاهرات والحركات الإحتجاجية انطلقت قبل ولادتها، بغض النظر عن التلميحات بأنها غير بريئة في توقيتها.

من وجهة نظر مصادر سياسيّة مطلعة، الأهم من التشكيل هو أن تكون الحكومة متجانسة، نظراً إلى أنه سيكون عليها التصدي لمروحة واسعة من الأزمات، لكن ما حصل، في الأشهر الماضية، يوحي بأنها ستكون عبارة عن "حلبة مصارعة"، سيسعىكل فريق فيها إلى معالجة الملفات، التي ستُطرح على طاولة مجلس الوزراء، إنطلاقاً من رؤيته لإستحقاقات دستورية لا تزال بعيدة نسبياً.

بناء على ذلك، ترى هذه المصادر، عبر "النشرة"، أن "المتاريس" رفعت قبل الولادة الحكومية بين الأفرقاء المتنازعين، سواء بين تيار "المستقبل" و"​حزب الله​"، أو بين "​التيار الوطني الحر​" وحزب "القوات اللبنانية" وتيار "المردة"، أو بين "التيار الوطني الحر" و"الحزب التقدمي الإشتراكي"، نتيجة الخلافات على الحصص الوزاريّة، التي ترجمت من خلال العقد المسيحيّة والدرزيّة والسنّية، من دون تجاهل ذلك الذي همد نسبياً، أو تحوّل من مباشر إلى غير مباشر، بين "التيار الوطني الحر" و"​حركة أمل​".

وتعتبر المصادر نفسها أن الأبرز هو نواة الخلاف التي ظهرت بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله"، والتي باتت واضحة على مستوى "التراشق" بين جمهوري الفريقين على مواقع التواصل الإجتماعي، وتؤكد أن هذه الخلافات ستكون حاضرة على طاولة مجلس الوزراء، لتصبح الصورة التذكارية وحدها الجامعة بين أركان الحكومة.

في هذا السياق، تشدد المصادر السياسية المطلعة على أن قاعدة "الكسر" هي التي كانت طاغية في الفترة السابقة ولا تزال، مع العلم أن تشكيل حكومة وحدة وطنيّة، بحسب ما هو العنوان المُعلن، كان من المفترض أن يكون عمليّة سهلة، لا سيّما أنها تأتي مباشرة بعد إنتخابات نيابيّة، وبالتالي من المفترض أن تُترجم نتائجها حكومياً، إلا أنها تشير إلى أن الأزمة الحقيقية هي بأن كل فريق قرأ تلك النتائج من وجهة نظره، وبعد ذلك سعى إلى تطبيق الأمر نفسه على نتائج الإنتخابات الطلابية أو النقابية.

من حيث المبدأ، لن تكون صياغة البيان الوزاري مشكلة، حيث تم الإتفاق بشكل مبدئي، على أن يكون "مستنسخاً" عن بيان حكومة تصريف الأعمال الحاليّة، التي لم تنجح في تطبيق معظم بنوده، خصوصاً بالنسبة إلى "سلاح المقاومة والعلاقات العربية"، من دون الإشارة إلى العلاقات مع سوريا تحديداً، بالإضافة إلى مندرجات مؤتمر "سيدر"، لكن في المقابل هناك الكثير من علامات الإستفهام التي تُطرح حول المرحلة التي ستلي نيل الحكومة الثقة، نظراً إلى أن "الشيطان" يكمن في التفاصيل.

عند هذه النقطة، لن يكون من السهل على الحكومة التعامل مع المشاريع الواردة في مقررات مؤتمر "سيدر"، بدليل الخلاف المستجدّ على توزيع الحقائب المعنيّة، بالإضافة إلى تفاصيل العلاقة مع سوريا، خصوصاً على مستوى معالجة أزمة النازحين، من دون تجاهل تداعيات الحكم الذي من المفترض أن يصدر عن المحكمة الدوليّة الخاصة بلبنان في العام 2019، في ما يتعلق باغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، بالتزامن مع التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة، وفي مرحلة أبعد من الصراع حول تعديلات قانون الإنتخابات النيابية.

في المحصّلة، رفعت القوى السياسية "المتاريس" تحضيراً لمعارك مفتوحة على طاولة مجلس الوزراء، ما يؤشر إلى صعوبة أن تكون الحكومة المقبلة منتجة في ظل الواقع الراهن، لا سيما أنها ستكون وسط تحولات واسعة على مستوى المنطقة، بدأت مع إعلان الولايات المتحدة إنسحابها من سوريا.