في زمن ميلاد ​يسوع المسيح​، زمن المحبّة، تغزو الخلافات والأحقاد والكيديات قلوب القوى السياسية ال​لبنان​ية، فلا حكومة مُشكَّلة حتّى الساعة وليس ما ينبئ بولادتها قريباً. لا عجب من الفراغ الحاصل في ظلّ غياب الاتفاق بدايةً على العناوين الرئيسية لمقوّمات الوطن.

يدفع المواطن اللبناني ثمن التجاذبات السياسية في شتّى ميادين حياته، نتوقّف عند الشؤون الإجتماعية كحقوق ضائعة وكوزارة منسية. حالها مَنسي أو مُعتّم عليه عن قصد أو غير قصد لذا نتطرّق بهذا الصدد إلى قضية النازحين السوريين.

رغم أنها أزمة محلية ودولية في آن، فلبنان لم يقرّر إنشاء أيّ دائرة أو مصلحة خاصة بالنازحين السوريين ضمن هيكلية ​وزارة الشؤون الإجتماعية​.

نذكّر أنّ أزمة النازحين السوريين في لبنان تندرج ضمن المشاريع التابعة لوزارة الشؤون الإجتماعية المعقودة بالتعاون مع المنظمات الدولية تحت عنوان "مشروع الإستجابة للحالة السورية ".

رغم غرابة هذا العنوان وغرابة حصريّة اعتبار هذا الواقع حالة تفرض التعاون مع المنظمات الدولية فقط، فلا يجب نسيان أن جهات حزبيّة لبنانية ومعها جهّات حكومية عوّلت بداية على سقوط النظام في الجمهورية العربية السورية وسقوط رئيسها ​بشار الأسد​ ضمن مهلة زمنية قصيرة من بدء الحرب فاعتبرت مسألة النازحين "حالة عرَضية".

ولكن الغريب اليوم هو استمرار التعامل الحكومي مع هذه القضية كعنوان لوم وشكاية على المنابر الدولية والمحلية وكمشروع تعاون مع المنظمات ضمن وزارة الشؤون الإجتماعية.

علماً أنّ الأزمة أصبحت واقعا اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا يفرض اولا وآخرا إنشاء دائرة خاصة له ضمن وزارة الشؤون الإجتماعية، ولئن كان دورها موقتاً.

الهدف الأساسي من هذه الدائرة هو دراسة وتأمين كلّ الإحصائيات والمتوجبات المستنديّة وغيرها، كما التنسيق مع مختلف الجهات الأمنيّة والحكوميّة لتسهيل مهمّة أساسية تفرض على وزارة الشؤون الإجتماعيّة التعاون الرسمي مع السلطات السوريّة الرسميّة لتأمين العودة الآمنة للمواطنين السوريين لا سيّما مع الاعتراف الدولي بهزيمة المشروع التكفيري في ​سوريا​ .

نعم، ​النازحون السوريون​ يشكّلون ونظرًا للتبدّل الديمغرافي وتبِعاته الحاصلة في لبنان سبباً أساسياً وليس وحيدا للأزمة الإجتماعية وغيرها. إنّ استمرار ​الحكومة اللبنانية​ بالتعامل مع هذه الأزمة بفراديّة القرارات وتسليم وزرها الى جهات حزبيّة وأمنيّة، فهذا خروج عن المنظومة الدولية وكيفية تعاملها مع هذه القضيّة.

تشير مصادر سوريّة رسميّة بأنّ التعامل الحكومي اللبناني مع الأزمة السوريّة على المستوى العملي وليس فقط السياسي يزيد من العراقيل أمام العودة السريعة لمواطنيها، ف​الحكومة السورية​ تدفع ثمن غياب التنسيق الحكومي اللبناني معها عرقلة في شؤون عدّة مناطقية، اجتماعية وأمنية.

يؤكّد المصدر الرسمي السوري أنه رغم أهميّة عمل اللجان الحزبيّة لا سيما في "​حزب الله​" التي أخذت على عاتقها دور المساهمة في الحلّ والدور الإيجابي لجهاز "​الأمن العام اللبناني​" في تأمين عودة أعداد كبيرة من النازحين، فالمشكلة ما زالت كبيرة ومعقّدة نظرا للتجاذبات السياسيّة التي يستثمرها البعض في بيئة النازحين لمنع عودتهم في ظل غياب الرعاية الحكومية. لذا، فالحكومة السوريّة تجد أن التنسيق المباشر الرسمي الحكومي معها كان وفّر على الدولتين أعباء كبيرة لا سيّما إنسانيّة واجتماعيّة واقتصاديّة. انّ أزمة النازحين السوريين أوّلاً وآخراً من صلاحية وزارة الشؤون الإجتماعية نظرا الى انها قضية اجتماعية إنسانية نتجت عن حالة حرب.

إنّ استحداث وزارة دولة لشؤون النازحين، لا سيّما في ظلّ تسليمها لوزير يرفض تياره السياسي الاعتراف بالحكومة السوريّة، بدعة سياسيّة بقيت في إطار الوهم المحلي والاستثمار لجذب المساعدات الماديّة للحكومة.

إنّ هذه الوزارة لم تثبت أنها أنتجت حلاًّ جذريا للأزمة ولئن ضمن مشروع محدد المدة هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إنّ وزارة دولة دون هيكليّة منظمّة وموسّعة من المستحيل أن توكل اليها أزمة متشعّبة تطال بلداً بأكمله، وما يقارب مليونا سوري على الاراضي اللبنانية.

الحكومة العتيدة أمام استحقاقات جدّية، منها الدور الضروري لوزارة الشؤون الإجتماعية في ​ملف النازحين السوريين​ بالتنسيق المباشر مع الحكومة السورية .

مشروع ​التوطين​ لم يمرّ عسى ألا يمرّ التوطين المقنّع.