بات من المؤكد أن الحكومة المقبلة لن تُبصر النور قبل نهاية العام الحالي، فالمشاورات والإتصالات دخلت في "إجازة" منذ ما قبل عيد الميلاد، نتيجة الخلاف على تمثيل "​اللقاء التشاوري​" وعلى توزيع بعض الحقائب التي تُصنف عادية، في حين عادت بعض الأوساط السياسية، أبرزها رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​، إلى الحديث عن عقدة خارجية، مرتبطة بالإنسحاب الأميركي من سوريا وصفقة القرن والإعتداءات الإسرائيلية على سوريا.

ضمن هذه الأجواء، برز الخلاف بين "​التيار الوطني الحر​" و"​حزب الله​"، الذي يسعى الجانبان إلى لملمة تداعياته التي بدأت تتسلّل إلى قواعدهما الشعبية، من خلال إتصالات رفيعة المستوى، في حين كان رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، من بكركي، يتحدث عن أن "البعض يخلق تقاليد جديدة في تأليف الحكومة لم نألفها سابقاً، ونحتاج لبعض الوقت لإيجاد الحلول لها"، بينما إختار رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ سياسية الصمت.

في هذا السياق، تؤكّد مصادر سياسية مطلعة على أجواء التأليف، عبر "النشرة"، أن جميع الإتصالات والمشاورات متوقفة، بالرغم من التحذيرات التي تطلقها مختلف القوى عن التداعيات المترتبة على ذلك، لا سيما على الأوضاع الإقتصاديّة والإجتماعيّة، وتشير إلى أن العمل اليوم هو على تثبيت تهدئة بين "التيار الوطني الحر" و"الثنائي الشيعي"، أي "حزب الله" و"​حركة أمل​"، نظراً إلى أنه لا يمكن إنضاج أيّ حلّ قبل ذلك، خصوصاً أن الجانبين معنيين، بشكل أساسي، في حل العقدة السنية، بعد أن نجح رئيس الحكومة المكلّف بإخراج نفسه من هذه المسألة، من دون تجاهل دورهما في الخلاف القائم على توزيع الحقائب التي تُصنف بالعادية أيضاً.

على الرغم من ذلك، لا تستبعد المصادر نفسها حقيقة ما ألمح إليه رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، لناحية إرتباط العقدة التي تحول دون ولادة الحكومة بالخارج، مرجّحة الوصول إلى حلّ يرضي جميع الأفرقاء لو كانت محليّة فقط، وهو ما كان من الممكن الوصول إليه في المبادرة الأخيرة، التي قادها المدير العام للأمن العام ​اللواء عباس إبراهيم​، على قاعدة عدم كسر أي فريق أو إلغاء آخر، وتؤكد أن المبادرة ستبقى على قيد الحياة إلى حين موعد الإفراج عن التشكيلة الحكوميّة، نظراً إلى أنّ الخلاف لم يكن على جوهرها بل على تفاصيلها، وبالتالي ليس مستحيلا العودة إليها عندما تنضج الظروف المناسبة.

إنطلاقاً من ذلك، تشدّد هذه المصادر على أن المطلوب، في هذه المرحلة، العودة إلى التهدئة الإعلاميّة بين مختلف الأفرقاء، على عكس ما هو الواقع الحالي، نظراً إلى أن الحملات القائمة ستجعل من الصعب على الجميع التراجع خطوة إلى الوراء، لا بل من الممكن أنْ تقود إلى المزيد من التعقيد، لا سيما مع بدء موجة من التحرّكات الشعبيّة في الشارع، يُنظر إليها، خصوصاً من "التيار الوطني الحر"، على أنها غير بريئة، وتضيف: "في نهاية المطاف الجميع سيجلس حول طاولة مفاوضات واحدة لحل مختلف العقد القائمة، وبالتالي ليس هناك من فائدة لأيّ تصعيد في مرحلة الوقت الضائع".

في المحصلة، رُحلت الولادة الحكومية إلى العام المقبل، في وقت تغيب فيه الإتصالات والمشاورات اللازمة لمعالجة العقد القائمة، على أمل أن لا تقود الخلافات الحالية إلى المزيد من التعقيد.