علاجات بديلة للألم، واستخدامات للذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، ونافذة مُشرَعة لعلاج مرضى ​السكتة الدماغية​. هذه بعض الابتكارات التي من شأنها تعزيز الشفاء وإحداث التغيير في الرعاية الصحية خلال العام المقبل، وفقاً لمجموعة متميزة من الأطباء والباحثين المختصين.

وأعدّ فريق من الأطباء والعلماء من ​مستشفى​ ​كليفلاند​ كلينك، برئاسة الدكتور مايكل رويزن كبير مسؤولي ​الصحة​ لدى المستشفى الذي يقع مقره الرئيس في ​أوهايو​، قائمة بالفتوح الطبية التقنية المرتقبة.

وتوقَّع الدكتور رويزن أن تغيّر ابتكاراتٌ مثل العلاج المناعي للسرطان وعلم الصيدلة، المجال الطبي تغييراً كبيراً، وتُحدث تحسيناً واسعاً في مجالات الرعاية الصحية للمرضى في مستشفى كليفلاند كلينك وفي جميع أنحاء العالم، في ضوء التطوّر المستمر للرعاية الصحية.

وفيما يلي عرض لأهمّ عشرة ابتكارات طبية متوقعة في العام 2019، مرتّبة حسب الأهمية:

1. العلاج البديل للألم: محاربة أزمة ​الأفيون

أُعلن في ​الولايات المتحدة​ عن أزمة المواد الأفيونية، المعروفة أيضاً باسم "وباء الأفيون"، حالة طوارئ صحية عامة. ويُعتبر الألم المزمن السبب الرئيس في وصف ​الأدوية​ المصنوعة من مواد أفيونية. وعلى الرغم من وجود العديد من العلاجات البديلة المصادق عليها إكلينيكياً لعلاج الألم المزمن، فإن أياً منها لم يضع حداً للأزمة أو يخفّف منها. أما الآن، فتأتي الابتكارات لتنير شعلة أمل متمثلة بإجراء اختبارات ما يُعرف بعلم "الصيدلة الجينية" Pharmacogenomics تستخدم فيها التركيبة الوراثية للمريض للتنبؤ باستقلاب الفرد للأدوية، بما فيها بعض الأدوية المشتقة من الأفيون.

ويمكن اللجوء إلى اختبارات الصيدلة الجينية لتجنّب ردود الفعل السلبية و​القضاء​ على الوصفات غير الضرورية وغير الفعالة، والاستعاضة عنها بأدوية أكثر فاعلية. كما يمكن استخدام هذه الاختبارات للتنبُّؤ بالمرضى الذين لا يستجيبون أبداً لبعض مسكّنات الألم المشتقة من الأفيون أو تكون استجابتهم لها طفيفة، وهؤلاء المرضى قد ينتَهون من تناول تلك المسكنات بسرعة جرّاء ضعف الاستجابة لها ويعودون إلى الحصول على وصفة طبية جديدة قبل الموعد المتوقع. ويمكن لعلم الصيدلة الجينية أن يقلّل أو يُلغي وصمة "البحث عن ​المخدرات​" التي قد تلحق بهؤلاء المرضى بغير وجه حقّ، كما يمكنه أن يساعد في إتاحة الفرصة لتكييف العلاج الدوائي. ويبدو علم الصيدلة الجينية مهيّأ في العام 2019 لتحقيق تقدّم كبير في الطب الدقيق واحتمال الوصول إلى نهاية لأزمة الأفيون، مع زيادة الاختبارات الجينية وتطورها.

2. بروز الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية

بعد أن اعتُبر الذكاء الاصطناعي في يوم من الأيام تهديداً لمستقبل البشرية، أصبح الآن جزءاً من ​الحياة​ اليومية؛ ففي مجال الرعاية الصحية، يعمل الذكاء الاصطناعي على إحداث تغيير جذري عبر تطبيقاته في مجالات شتّى، منها على سبيل المثال، دعم عمليات اتخاذ القرار وتحليل الصور التشخيصية وفرز المرضى بناء على مدى الحاجة إلى تلقي الرعاية الطبية. واليوم، يساعد الذكاء الاصطناعي الأطباء على اتخاذ قرارات أكثر استنارة وذكاء أثناء تقديمهم الرعاية الطبية للمرضى، ما يساهم في تسهيل إجراءات فحص المرضى ورفع مستوى دقتها وتقليل إصابة الأطباء بالإجهاد والتعب. فعلى سبيل المثال، تحظى الخوارزميات الخاصة بتقنيات تعلّم الآلات بالقدرة على تحديد نقاط وجود المشاكل الصحية على الصور التشخيصية، والمساعدة في إجراءات فحص المرضى والاستفادة من المعلومات القيّمة التي تضمّها الكميات الهائلة من البيانات المتاحة في نظام السجلات الطبية الإلكترونية لدى الطبيب. لقد أصبحت رعاية المرضى تتطلب العمل بطريقة أكثر ذكاءً لا أكثر كداً واجتهاداً، مع تواصل اندماج الذكاء الاصطناعي في منظومات الرعاية الصحية.

3. نافذة مُشرعة لعلاج السكتة الدماغية الحادة

تُعتبر الاستجابة للإصابة بالسكتة الدماغية في الوقت المناسب أمراً بالغ الأهمية؛ إذ قد يؤدي نقص تدفق الدم إلى الدماغ لفترة طويلة في أعقاب حدوث السكتة إلى حصول تلف لا يمكن إصلاحه، ما قد يُحدِث عجزاً في المصابين بالسكتة في كثير من الأحيان. وهناك طرق تدخل علاجي يمكن اللجوء إليها لإنقاذ الأنسجة في المنطقة المصابة في العديد من ​حالات​ السكتة الدماغية، بيد أنّه لا يُنصح حتى الآن بالتدخل العلاجي للسكتة الدماغية إلا ضمن فترة زمنية ضيّقة عقب الإصابة. لكن مبادئ توجيهية جديدة صدرت خلال هذا العام تُشير إلى نافذة واسعة مُشرعة للعلاج تتمثّل في إطالة الفترة الزمنية التي يُسمح فيها بالتدخل العلاجي لإنقاذ الأنسجة بعد التعرّض لسكتة دماغية، ومن المتوقع أن يقلل هذا الأمر من خطر الإعاقة ويتيح فرصة أكبر للشفاء أمام عدد متزايد من مرضى السكتة الدماغية في المستقبل.

4. تطورات في علاج ​السرطان​ بالخلايا الجذعية

يُعدّ العلاج المناعي للسرطان، أو العلاج البيولوجي، أسلوباً يلجأ إلى جهاز المناعة في الجسم نفسه لمكافحة السرطان. ومع أن العلاجات المناعية للسرطان موجودة منذ بعض الوقت، فإن الجهود العالمية المتواصلة من أجل مكافحة هذا المرض لا تزال تُلقي المزيد من ​الضوء​ على أهداف جديدة تقع ضمن العلاجات المناعية. ويواصل العلماء ابتكار علاجات جديدة للسرطان تُحسّن حياة المرضى من خلال نماذج العلاج المشترك والخلايا التائية المهندسَة جينياً، وهي مجموعة من الخلايا اللمفاوية الموجودة بالدم والتي تلعب دوراً أساسياً في المناعة الخلوية. وتساهم الاكتشافات التي تحدث بوتيرة يومية تقريباً لأهداف وعلاجات حيوية مبتكرة، في تعزيز الأمل بإتاحة علاجات فعالة قريباً لجميع أشكال الأورام السرطانية.

5. المنتجات المصممة خصيصاً للمرضى والمنتَجة باستخدام الطباعة المجسمة

بات بالإمكان الآن عبر اللجوء إلى تقنية الطباعة المجسمة ثلاثية الأبعاد، مطابقة الأدوات والأجهزة الطبية مع مواصفات المريض مطابقة دقيقة. وتُظهر الأجهزة التي تُصمّم بأبعاد خاصة بالمريض قبولاً أكبر من جانب الجسم وتزيد راحة المريض وتحسّن نتائج العلاج، نظراً لكونها أكثر توافقاً مع التشريح الطبيعي الفريد من نوعه لدى المريض. وتمنح المرونة التي تتسم بها الطباعة المجسمة الممارسين الطبيين المختصين القدرة على تقديم أعلى مستويات الرعاية الطبية تقدماً، مع تقليل خطر حدوث مضاعفات في المرضى الذين يستوفون متطلبات طبية محدّدة.

ويشمل العمل الأكثر أهمية في هذا المجال في الوقت الراهن، الأطراف الاصطناعية الخارجية، وزراعة ​الجمجمة​ والعظام، ودعامات مجرى الهواء المخصصة للمصابين بأمراض تتسبب في حدوث ضِيق في مجرى الهواء. ويكتسب العمل في الأطراف الاصطناعية وغيرها من الأجهزة المزروعة في الجسم سرعة أكبر مع حصولها على التراخيص المطلوبة لطرحها في الأسواق التجارية. كذلك وُجدت مآرب أخرى للطباعة المجسمة في التخطيط الجراحي، إذ تُستخدم هذه التقنية في الإعداد لكثير من جراحات القلب المعقدة، كما استخدمت الطباعة المجسمة في العملية الشهيرة التي أجريت حديثاً في مستشفى كليفلاند كلينك لزراعة وجه كامل لمريضة تعرّضت للتشوّه، وذلك نظراً لما تتيحه هذه التقنية من زيادة الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة في رعاية المرضى.

6. الواقع الافتراضي والمختلط في التعليم الطبي

يتضمن الواقع الافتراضي والواقع المختلط استخدام تقنية ​الحاسوب​ لإنشاء بيئات افتراضية مُحاكية للواقع وأخرى مختلطة بين الواقعي والافتراضي. ويشتهر استخدام هذه التقنيات في تطبيقات الألعاب وهي لا تتوقف أبداً عن إبهار جمهورها بتأثيراتها المستقبلية. لكن واقع الأمر يقول إن تقنيات الواقع الافتراضي VR والواقع المختلط MR تتجاوز عالم الألعاب إلى ما هو أبعد مدىً بكثير. هذه النظم الواقعية لقد استطاعت هذه التقنيات لفت أنظار المعنيين من المختصين بالرعاية الصحية ممن يتوقون إلى تحسين ​مهارات​هم. وتقدّم برامج الواقعين الافتراضي والمختلط، التي أصبحت تحظى بشعبية كبيرة في مجال التعليم الطبي، تدريباً يحاكي الواقع ويعمل على تعزيز التعليم الطبي التقليدي، حتى بات يستقطب بنمطه التعليمي الغامر، المتعلمين بجميع فئاتهم؛ السمعية والبصرية والحركية. ويُعد التعليم عن طريق المحاكاة خطوة مُثمرة ترتقي بمهارات مقدمي الرعاية الصحية.

7. طوق لتشخيص السكتة الدماغية قبل الوصول للمستشفى

تُعتبر السكتات الدماغية النزفية، التي يخرج الدم خلالها من أحد الأوعية الدموية الممزقة في الدماغ، مسؤولة عن حوالي 40 بالمئة من الوفيات الناجمة عن السكتة الدماغية، مع أنها أقل شيوعاً بكثير من السكتات الدماغية. ويُعدّ التشخيص السريع ضرورياً لتحقيق العلاج الفعال، إذ يمكن أن يؤدي النزيف غير المتحكم فيه إلى تورّم الدماغ وإلحاق الضرر به. لذلك يستخدم أخصائيو الرعاية الصحية تقنيات جديدة ومتقدمة مثل طوق للرأس يقوم بمسح الدماغ للكشف عن أي نزف محتمل عند حدوث السكتة قبل الوصول إلى المستشفى، لتسريع التشخيص وكسب الوقت المهم جداً في العلاج.

8. الابتكار في ال​جراحة​ الروبوتية

معظم العمليات الجراحية التي تُجرى اليوم هي أقصر ما سيسمح به العلم والأقل بَضْعاً وتوغلاً في الجسم، ويرجع هذا التكيّف في المنهجية الجراحية، جزئياً، إلى دمج الروبوتات فيها، إذ تتيح الروبوتات في غرفة العمليات للجراحين توجيهاً شديد الدقة في الجراحة. وقد باتت المنصات الجراحية تتسم اليوم بالتقدّم الكبير، وهي تُستخدم في أي مكان من العمود الفقري إلى الأوعية الدموية. وليس قِصر فترة التعافي ومحدودية الألم بعد الجراحة سوى بعض المنافع التي تُحقق من خلال الجراحة الروبوتية الأقل بضْعاً، فقد أدى التقدّم الكبير والمستمر في هذا المجال إلى إجراء عمليات جراحية أكثر دقة ونجاحاً وأفضل من ناحية النتائج.

9. استبدال الصمام التاجي والصمام ثلاثي الشرفات وإصلاحهما عن طريق الجلد

أصبحت جراحات القلب اليوم أقل بضعاً وأكثر اعتيادية وفعالية مما كانت عليه في الماضي. ويُجرى العديد من العمليات القلبية عن طريق القسطرة عبر فتحة صغيرة في الجلد، إذ لم يعُد إجراؤها بحاجة إلى نهج جراحة القلب المفتوح. وتشمل العمليات التي تتم بهذه الطريقة عمليّتان لاستبدال كل من الصمام التاجي والصمام ثلاثي الشرفات أو إصلاحهما. وقد أدى هذا التطوّر الذي سرعان ما أعقب التدخل الجراحي في الصمام الأبهري عبر الجلد، إلى نتائج إيجابية كبيرة أثناء ملء فراغ كبير لطالما ظلّ قائماً في مجال جراحة القلب. ويستمر استكشاف آفاق هذه التقنية العلاجية في عدد أكبر من المرضى، مع تحقيقها نتائج واعدة بعد العملية، ما يجعل لهذا الابتكار آثاراً مهمة في مستقبل الرعاية القلبية.

10. العلاجات المستندة على الحمض النووي الريبوزي RNA

سرعان ما تغدو العلاجات المستندة على الحمض النووي الريبوزي RNA، والتي تعتبر قريبة الشبه من العلاجات الجينية المستندة على الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين DNA، أحدث الابتكارات في المختبرات على الصعيد الوطني في الولايات المتحدة، مُظهرة إمكانات هائلة. إذ يمنح التداخل مع البيانات الوراثية عند مستوى الحمض النووي الريبوزي العلماء القدرة على اعتراض الشذوذ الجيني لدى المريض قبل ترجمته إلى بروتينات وظيفية (أو غير وظيفية). وتضمّ الآليات الأكثر انتشاراً ونجاحاً في العلاجات القائمة على RNA اليوم، النوكليوتيدات المضادة لاتجاه النسخ والتداخلات عند مستوى الحمض النووي الريبوزي. ويجري استكشاف آفاق هذه العلاجات ​الجديدة​ في مجموعة متنوعة من ​الأمراض​ الوراثية النادرة مثل مرض هنتنغتون، وكذلك في أمراض السرطان والأمراض العصبية، مع الأمل في تحقيق العلاج عن طريق البيانات الوراثية البديلة. ومن شأن آليات العمل الجديدة هذه أن تفتح نوافذ واعدة للتقدم والابتكار في العلاج.