ليس سهلا أن يصل الإنسان الى مرحلة يقرر فيها وضع حدّ لحياته، ف​الانتحار​ رغم اعتباره فعلا محرّما في الأديان السماويّة الا أنه يتطلب شجاعة ينبغي للمنتحر التحلّي بها لكي يقوم بفعلته، شجاعة يندم عليها لحظة انطلاق فعل الانتحار، سواء كان برمي نفسه من مكان شاهق او غير ذلك من وسائل الموت. ولكن السؤال الذي لن يجد الجواب الكامل هو السبب. ما الذي يدفع ​الانسان​ الى قتل نفسه بنفسه؟!.

تتفاوت ​حالات​ الانتحار في ​لبنان​ مع تفاوت الأعوام، اذ أن الأعداد بحسب احصاءات ​قوى الأمن الداخلي​ لا تتخذ منحى تصاعديا واضحا، ففي العام 2009 مثلا انتحر 112 شخصا، عام 2010 انخفض العدد الى 107، ومن ثم 102 حالة انتحار في العام 2011، و108 حالات عام 2012. شهد العدد ارتفاعا ملحوظا عام 2014 فوصل الى 144 حالة، وفي العام 2017، 143 حالة، ولكن الصدمة كانت في العام الماضي حيث وصلت الأعداد بحسب الاحصاءات الى حوالي 200 حالة انتحار (لا يوجد احصاء دقيق حتى الساعة)، أي بمعدل حالة انتحار واحدة كل يومين تقريبا.

في هذا السياق، يوضح المختص بعلم نفس العمل الاستاذ ​محمد بدرا​ أن أسباب إقدام الفرد على الانتحار تتعدد، كما أنه من الممكن أن يكون لكل بلد أسباب خاصة فيه للمنتحرين، الا ان الأغلب يملكون الأسباب عينها والتي يمكن تقسيمها الى فئات، مرضيّة، عاطفية اجتماعية، واقتصادية، مشيرا في حديث لـ"النشرة" الى أن "المنتحر لا يريد الموت بقدر ما يريد التوقف عن ​الحياة​ بمعنى انه لا يريد الذهاب الى الموت بقدر ما يريد التوقف عن المعاناة التي يعيشها في الحياة".

ويضيف بدرا: "الانتحار هو فشل التسوية التي يقيمها الانسان مع نفسه للتأقلم مع المستجدات التي تواجهه في حياته، وهذا التعريف يمكن قياسه على كل الحالات". وفي هذا السياق يرى بدرا أن أسباب الانتحار قد تكون "مرضيّة" إذ أن بعض الأشخاص يعانون من أمراض نفسية تعرضهم لـ"وسواس" انتحاري، مثل الإكتئاب الحاد، الهوس، الفصام، اضطراب الشخصية الحاد، وفقدان الشهيّة الذي يمثّل موتا بطيئًا، كما قد يكون هناك استعدادات جينية نتيجة الأفكار المتولّدة عن الإفرازات وخلل بالهرمونات يؤدي لنوبات حادة من التقلب بالمزاج تولّد بعض الدوافع للانتحار.

الى جانب الأسباب المرضيّة، نجد الأسباب المتعلقة بالأمور العاطفيّة والاجتماعيّة، فالإنتحار بحسب بدرا هو لحظة الإنفجار التي تعبّر عن مسار طويل من الضغوطات النفسيّة التي تفشل في التنفيس، أو هو عبارة عن صدمة مؤلمة أو لحظة عاطفيّة لا يستطيع الانسان ان يتحملها ويُكمل من بعدها كفقدان حبيب او عزيز او التعرّض لحادث فيفشل الشخص برؤية الحياة بنفس المنظار السابق، فتفشل التسوية التي يحاول الشخص القيام بها فلا يستوعب الصدمة ولا المتغيرات، فيلجأ للهروب عبر الانتحار.

كذلك تعتبر الأسباب الإقتصاديّة مؤثّرة في اتّخاذ قرار الانتحار، وهنا يشير بدرا الى أن هذه الأوضاع الضاغطة التي تجعل من متطلبات الشخص اعلى من انتاجه فلا يتمكن من الاستجابة لحاجاته وحاجات عائلته، تؤدي به للانسحاب والهروب من العجز، مشدّدا على أن ​الشباب​ أيضا يعانون من انسداد الأفق الاقتصادي، الأمر الذي يؤدّي لنفس النتيجة أيضا. الى جانب هذه الأسباب، هناك بعض الأمور الاخرى تؤدي لارتفاع دوافع الانتحار مثل، الادمان بكافة أنواعه، على ​المخدرات​، ​الأدوية​، الألعاب الالكترونية، الابتعاد عن الدين، عدم امتلاك ثقافة التوجّه الى الطبيب النفسي لمعالجة أيّ مشكلة، تشوّه النظرة للذات والعلاقات الاجتماعية التي لا ترضينا، التعرّض للتنمّر، ​التحرش الجنسي​ والتعنيف.

يريد "المنتحر" ان يقول شيئا ما بصوت عال، ولكنه لا يملك وسيلة للتعبير فيتوجه الى إيذاء نفسه، هو يريد القول أنه يعاني والناس لا تسمعه، كما أنه يتماهى مع نفسه ففي لبنان نشهد موجات من الانتحار لان هذا الفعل يشجع أصحاب الافكار المشابهة، بسبب التعاطف الكبير الذي يحصل عليه المنتحر الاول، ولذلك ينبغي على ​وسائل الاعلام​ عدم إبداء التعاطف مع المنتحرين لأنّ في ذلك فرصة لمن يبحث عن التعاطف.