تماماً كما حصل في كلّ الاستحقاقات التي شهدها ​لبنان​ منذ سبعة أشهر، بدأ الربط خلال الأيام القليلة الماضية بين المراوحة الحكومية القاتلة و"​القمة العربية​ التنموية: الاقتصادية والاجتماعية"، التي يفترض أن تُعقد في ​بيروت​ خلال شهر كانون الثاني الجاري.

وإذا كان الربط السابق مع المناسبات استند إلى مفهوم "العيدية" التي عجز المسؤولون عن تقديمها للمواطنين، مع أنّ ​تشكيل الحكومة​ واجب وليس منّة، فإنّه هذه المرّة أخذ بعداً آخر، اتخذ صفة "التهويل" في بعضٍ من جوانبه، مع رصد إشاراتٍ إلى أنّ القمة "مهدَّدة" بحدّ ذاتها إذا لم تشكَّل الحكومة قبل موعدها.

وفي وقت نشطت ​الاتصالات​ بعد انقضاء عطلة رأس ​السنة​ لتحريك الملف الحكوميّ وإعادة إحياء المبادرات على خطه، فإنّ السؤال يبقى أكثر من مشروع: ماذا لو لم تشكَّل الحكومة قبل موعد قمّة بيروت؟ هل يمكن أن "تطير" القمّة، كما يلوّح البعض؟.

السلبية متقدّمة

بدايةً، وعلى الرغم من "تفاؤل" البعض بأنّ ولادة الحكومة باتت وشيكة، وأنّها ستتمّ خلال الأيام القليلة المقبلة، يمكن القول إنّ لا مؤشرات جدية توحي بإمكان ترجمة ذلك على الأرض، علماً أنّ تجارب سابقة كان "التفاؤل" فيها يصل إلى أوجه، مقروناً بوقائع ملموسة، قبل أن تعرقل "شياطين التفاصيل" ​الولادة​ الحكوميّة في اللحظة الأخيرة.

ولعلّ "الاجتهاد" الذي لجأ إليه رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ قبل أيام، داعياً إلى "إحياء" حكومة ​تصريف الأعمال​ بشكلٍ أو بآخر، لإقرار ​الموازنة​، انطلاقاً من تجربة تعود إلى مرحلة ما قبل ​اتفاق الطائف​، عزّز الأجواء "السلبيّة"، وبالتالي الاعتقاد بأنّ الحكومة ليست قاب قوسين أو أدنى من الولادة، كما يخيّل للبعض، وأنّ المراوحة مستمرّة إلى أمد قد لا يكون قريباً، بمعزلٍ عن مدى إمكان قبول مختلف الأفرقاء باقتراح بري وتنفيذه من عدمه.

من هنا، يبدو أنّ السلبيّة لا تزال تتقدّم على الإيجابيّة في ملفّ تشكيل الحكومة، على رغم أنّ حراكاً ملموساً رُصِد مع مطلع ​العام الجديد​، شكّل وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​ محوره الأساسي، مع حديثه عن "أفكار جديدة" قدّمها إلى رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​، إلا أنّها أفكار قال كثيرون إنّها لا تزال تدور في "الحلقة المفرغة نفسها"، في ظلّ الخلاف المستفحل بين الأفرقاء حول "الإخراج" المُنتظَر، خصوصاً على صعيد العقدة المرتبطة بـ"اللقاء التشاوري"، والتي اعتبر كثيرون أنّها تأزّمت بعد "سقوط" اسم جواد عدرة، والدخول في "كباش" حول تموضع ممثّل "اللقاء" في الحكومة، باعتباره سيكون جزءاً من حصّة ​رئيس الجمهورية​.

ضغطٌ معنويّ؟

على الرغم من السلبية التي لا تزال متقدّمة على الإيجابية، يعتقد البعض أنّ الأمور لن تراوح مكانها، وأنّ الحكومة ستشكَّل لا محالة خلال أيام قد لا تتعدّى الأسبوع المقبل. إلا أنّ الرهان على مثل هذا الأمر لا يبدو مجدياً ولا حتى واقعياً، بعدما خابت رهانات مشابهة كثيرة في السابق، مع أنّها كانت أكثر وضوحاً وتقدّماً ومنطقيّة، ما يدفع إلى السؤال، ماذا لو جاء موعد القمة العربية التنموية في بيروت من دون أن تُشكَّل الحكومة؟.

ولعلّ ما يدفع إلى طرح هذا التساؤل يتمثّل في التسريبات التي كثرت خلال الأيام الماضية حول "مصير" القمّة المرتقبة، بين من قال إنّها قد "تطير" من لبنان في حال عدم تشكيل حكومة في الوقت المستقطَع، مع ما ينطوي على ذلك من "إهانة" للدولة، ومن لوّح بإمكان تخفيض مستوى التمثيل العربي إلى حدّه الأدنى أو ربما ما هو أقلّ منه، ومن بدأ الحديث عن إمكان "تأجيلها" بالحدّ الأدنى ريثما تنضج الظروف السياسيّة المناسبة في لبنان، وبالتالي تتشكّل حكومة أصيلة قادرة على التعامل مع متطلبات القمّة.

لكن، وبغضّ النظر عن مدى جدية هذه الطروحات، يقلّل الكثير من المعنيّين من شأنها على اعتبار أنّها تصبّ في خانة "الضغط المعنوي" أكثر من أيّ شيءٍ آخر، باعتبار أنّ استضافة لبنان للقمّة لم تعد مسألة خاضعة للنقاش، سواء تمّ ذلك بحكومةٍ أصيلة، وهو المفضّل، أو بحكومة تصريف أعمال، خصوصاً أنّ التحضيرات اللوجستية والإدارية للقمة بدأت عملياً بل باتت شبه منجزة، وقد عقدت اللجنة العليا المنظمة للقمة اجتماعاً قبل يومين عرضت خلاله مراحل التحضيرات للقمة من النواحي التنظيمية واللوجستية والأمنية والإعلامية.

ومع أنّ دولاً عربيّة عدّة، بينها المملكة العربية ​السعودية​، لم تحدّد حتى الآن مستوى تمثيلها في القمّة، علماً أنّ مستوى التمثيل السعودي سينعكس تلقائياً على مستوى تمثيل دول أخرى، خصوصاً تلك الخليجيّة، على غرار ​الإمارات​ و​البحرين​، فإنّ المعلومات المتوافرة تؤكد أنّ الأمر غير مرتبط عملياً بمسألة ​الحكومة اللبنانية​، بقدر ما هو مرتبط بالتغييرات الحكوميّة التي حصلت أخيراً في السعودية، والتي شملت ​وزارة الخارجية​، من دون أن ننسى الأخذ والردّ الذي لا يزال مفتوحاً حول مسألة دعوة ​سوريا​ إلى القمة، في ظلّ الحديث عن مساعٍ تُبذَل على هذا الصعيد، وإن كان مستبعَداً أن تصل إلى مبتغاها في المدى المنظور.

مشهد معيب!

ماذا لو لم تُشكَّل الحكومة قبل القمّة العربية الاقتصادية في بيروت؟.

قد يكون الجواب بسيطاً جداً، وهو "لا شيء"، باعتبار أنّ الأمرين غير مرتبطين ببعضهما من الناحية العملية، ولو ربطهما البعض، تماماً كما ربطوا الملف الحكوميّ بكلّ المناسبات بل بكلّ ما يحصل في الداخل وفي المحيط، من دون أن يؤثر شيء على العجز عن التأليف في كلّ المواعيد المحدّدة.

لكن، أبعد من بساطة هذا الجواب، يبقى أنّ مشهد استضافة لبنان للقمّة من دون حكومةٍ أصيلة أكثر من معيب بحق ​الدولة اللبنانية​، وإن لم يشكّل ذلك "سابقة"، باعتبار أنّ لبنان جرّب ما هو أمرّ من ذلك على مرّ السنوات الماضية، مشهدٌ يفترض أن يحضّ المسؤولين إلى تأليف الحكومة اليوم قبل الغد، بعيداً عن "أنانيّة" تشلّ البلد منذ أشهر...