لم تشهد الحياة السياسيّة في لبنان يوما على أزمة ثقة بين القوى الحاكمة كالتي تعرفها اليوم. فبعد أن اعتادت الانقسام الى معسكرين أساسيّين متواجهين آخرهما 8 و ​14 آذار​ حيث تتكاتف مكوناتهما لحدّ الذوبان في بعضها البعض، ها هي تشهد اليوم على اختلال تامّ في الثّقة بين كل المكوّنات دون استثناء، وبشكل لافت بين الحلفاء الذي اعتادوا حتى الأمس القريب المواجهة يدا بيد.

فأزمة الثقة بين تيّار "المستقبل" و"القوّات اللبنانيّة" مستمرّة منذ أنّ أُجبِر رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ على اعلان استقالته من السعوديّة قبل أكثر من عام. فبالرغم من كل المحاولات، سواء الداخليّة أو الاقليميّة التي بُذلت لرأب الصدع بين الطرفين، لا يزال الحريري ينظر بريبة الى كل الطروحات القواتيّة، وكأنّ الجرة مع رئيس "القوات" ​سمير جعجع​ انكسرت وتناثرت قطعا صغيرة يستحيل تجميعها. ولعل وقوف "المستقبل" الى جانب "معراب" في معركتها لتحصيل حصّة وزارية وزازنة بدا وكأنّه على مضض، وذلك ما انعكس من خلال العرض الأخير الذي تقدّم به الحريري والذي جاء تحت عنوان “take it or leave it” ما اضطرّ حزب "القوّات" للقبول به مرغما.

أما عن أزمة الثّقة بين "​حزب الله​" و"التيّار الوطنيّ الحرّ" فحدّث ولا حرج. وقد ينفع أيّ مشكك بالموضوع، القاء نظرة سريعة على أحوال ناشطي الطرفين على وسائل التواصل الاجتماعي ليتبيّن حجم الأزمة التي يعيشها الحزبان. ولا شك أنّ الجهود الكبيرة التي بذلت مؤخرا لاحتواء الخلاف اّلذي نشأ على خلفيّة ما عُرف بعقدة تمثيل "​اللقاء التشاوري​"، نجحت بوقف السجالات وكيل الاتهامات، الا أنّها لم تعالج ما هو في الباطن، في ظلّ اقتناع "الوطني الحر" أنّ فرض "حزب الله" توزير ممثل عن "اللقاء" ليس بريئا مقابل شعور الحزب أنّ إصرار رئيس التيّار وزير الخارجيّة في حكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​ على الحصول على الثلث المعطل (وان كانَ الحزب لا يمانعه كما أعلن أكثر من مرة) يثير الريبة من خطوات مستقبليّة قد يُقدم عليها رئيس "التيار" وقد لا تتوافق مع رؤية الحزب.

ولا شك انّ المشهد لا يقتصر على علاقة "المستقبل"– "القوات" و"حزب الله"–"التيار الوطني الحر"، اذ تمر علاقة "التيار"–"المستقبل" هي الأخرى في منعطف بعد مرحلة طويلة بدت أشبه بشهر العسل بين الطرفين، ويحاول الحزبان تفادي توجيه الاتّهامات المباشرة لبعضهما البعض في الملفّ الحكومي، وان كان "الوطني الحر" يطرح أكثر من علامة استفهام على آداء الحريري وما يعتبره "برودة" في إدارة الملفّ الحكومي، مقابل استشعار رئيس الحكومة المكلّف أن هناك من ينقضّ على صلاحيّاته ويحاول ممارسة دوره، وهو ما بدا بنظر المستقبليين جليًّا في أكثر من محطّة آخرها المبادرات والطروحات التي يسوّق لها الوزير باسيل.

وليس خافيًا على أحد أن العلاقة العونيّة–القواتية تمرّ بأسوأ مراحلها منذ توقيع اتفاق معراب في العام 2016. فمع تجميد العمل بالاتفاق على خلفيّة اعتبار "القوّات" أن الوزير باسيل انقلب على مضمونه في توزيع الحصص الوزاريّة، بات الحديث عن عودة الثّقة بين الحزبين شبه مستحيل.

والحال بين "الشالوحي" و"معراب" لا تختلف كثيرا بين الأولى و"بنشعي"، بحيث لم تتمكن الأشهر ولا السنوات ان تضع حدا للصراع المتمادي بين "التيار" و"​المردة​" والذي بلغ مستويات غير مسبوقة.

بالمحصّلة، يوحي المشهد ككلّ أنّ غياب الثقة بين القوى الحاكمة سيبقي البلاد مشرّعة على أزمات متعددة حتى عند أصغر استحقاق. وليس استحقاق ​تشكيل الحكومة​ وما يشهده من شد حبال، الا مثالا صغيرا عما ينتظرنا في المرحلة المقبلة، فهل نذهب الى مؤتمرٍ تأسيسيّ لحل المعضلات القائمة على مستوى الوطن؟!.