ما ان اعدّ لبنان العدة واصبح شبه جاهز لاستقبال اعمال ​القمة العربية​ التنموية الاقتصادية والاجتماعية في دورتها الرابعة، حتى بدأت تظهر اخبار وتحليلات ومصادر واقاويل عن امكان تأجيلها او الغائها. وفيما لا يمكن الجزم بشكل مطلق ما يحمله الينا المستقبل بأيامه المقبلة، الا ان من المنطقي التوقف عند ما تفرضه الاحداث والوقائع حول هذه المسألة. مروّجو التأجيل او الالغاء يرتكزون الى عاملين اساسيين يدفعانهما الى اقناع سامعيهم او القارئين: عدم تشكيل حكومة لبنانيّة لمواكبة اعمال القمّة، وموضوع إعادة ​سوريا​ الى احضان الجامعة العربيّة. وما يساهم فعلاً في ايصال هذه الفكرة الى الجميع هو ما تشهده المنطقة من تطورات على الصعيد الاقليمي، وما يحصل على الساحة السياسيّة اللبنانيّة من عوائق تمنع الاعلان عن تشكيلة الحكومة العتيدة.

في المقابل، يرى مروّجو انعقاد القمّة في موعدها، انّ ما يقال هو غير دقيق ولو أنّ الاسس التي ينطلق منها ثابتة وصحيحة، الا ان وضعها خارج أطرها، هو الخطأ بعينه. ووفق هؤلاء، فإن عدم تشكيل حكومة لا يمكن بأيّ حال من الاحوال ان يؤثّر على اعمال القمة، فهي ستعقد على مستوى الرؤساء، ولبنان ممثل برئيسه، كما أنّ مواضيع البحث لا تحتاج الى حكومة لطرحها، انما لمتابعتها فيما بعد على غرار مقررات مؤتمر "سيدر" وغيرها... اما الابرز في مجال التأكيد على انعقاد القمّة فهو اولاً عدم تلقي السلطات اللبنانيّة أيّ طلب من أيّ بلد مشارك يتعلق بتأجيلها او الغائها، وهو أحد الشروط الاساسيّة لاعادة التفكير في انعقاد أيّ قمة. واضافة الى ذلك، فإنّ القمة اقتصاديّة وتنمويّة واجتماعيّة، وبالتالي ليست سياسيّة وهو امر ينساه الجميع على ما يبدو، فمقرراتها وجدول اعمالها ينطلق من أسس تتعلق بالثلاثي المذكور غير السياسي، ولو ان اهميّته توازي الاستقرار السياسي والامني، الا ان عرضه وبحثه واتخاذ قرارات بشأنه لا يمكن وضعها في الخانة السياسيّة الا لناحية تطبيقها في مرحلة لاحقة، حيث يمكن على سبيل المثال لا الحصر، حصول تضارب حول مشاركة جهّات او دول في إعادة اعمار سوريا، رغم امكان اتّخاذ القمة قراراً في هذا الشأن. وقد يشكّل أيّ لقاء بين زعيمين او مسؤولين عربيين فرصة لبحث الاوضاع السياسيّة حتماً، ومن الطبيعي أن تطرح مواضيع سياسيّة على هامش القمّة، انما ليس من جدول اعمالها او من صلب انعقادها، وهذا غير كافٍ حتماً لاصباغها بطابع سياسيّ.

وبالتالي، فالتركيز على السياسة لنسف انعقاد القمّة، هو طريقة غير سليمة وغير مرتكزة الى واقع منطقي، فما الذي سيتغيّر لو كانت هناك حكومة مشكّلة في لبنان بالنسبة الى هذا الموضوع؟ اما المفارقة الوحيدة فتعود الى صورة لبنان فقط، إذ ليس من المحبّذ استضافة حدث عربي شامل، ولو غير سياسيّ، في ظلّ غياب مؤسسة مهمّة من مؤسساته الدستوريّة، وركن مهمّ من اركان الدولة (وهو الامر نفسه الذي ينطبق على غياب ​رئيس الجمهورية​ او ​مجلس النواب​)، وسيشكّل خطوة ناقصة للبنان كيّ يتكلّم من منطلق قوّة ووحدة وتضامن، امّا عدا ذلك فليس هناك من مشكلة.

وفي موضوع عودة سوريا الى الجامعة العربيّة انطلاقاً من القمة العربيّة الاقتصاديّة في لبنان، فيجب التنويه الى ان قرار تعليق مشاركة سوريا اتّخذ في اجتماع سياسيّ لوزراء الخارجيّة، وليس في لقاء له طابع اقتصاديّ واجتماعيّ، وبالتالي من الطبيعي ان يتمّ تفعيل اللقاءات والاتّصالات بين الدول العربيّة للبحث في عودة سوريا الى الجامعة، قبل القمة العربيّة الدوريّة التي ستستضيفها هذا العام تونس في آذار المقبل. عندها، يمكن الحديث عن امكان ارجاء القمّة ريثما يتمّ اتّخاذ قرار بالنسبة الى المشاركة السوريّة او عدمها، علماً ان تونس و​الجزائر​ و​العراق​ يقودون تحركاً في هذا الشأن ينتظر ان يثمر ايجاباً قبل حلول موعد القمّة المقبلة.

كل التحضيرات باتت شبه حاهزة لاستضافة القمّة العربيّة الاقتصاديّة، وما لم تحصل احداث خارجة عن المألوف، فإنّ القمة ستعقد في موعدها المحدد في 20 من الشهر الحالي، دون تأجيل او الغاء.