إنّها موضَة العصر، أعراسٌ مُزَيّفة، نَعَم مُزَيّفَة! أبطالُها عروسان وكاهن أو أكثر! حاضرون غُبَّ الطَّلب لتلبيَة حاجات أصحاب الفانتاسما phantasma)) أو المِخيال الدّينيّ. وليس في الأَمر أيّ ضرر، إن خرج الجميع عن الطّور الدينيّ الرّسميّ، في بعض المناسبات، وعن روبريكات الطقوس الدينيّة المُملَّة بعض الشيء باعتقاد الذين يعتقدون بتسَطُّح، حتى ولو بلَغَ ذلك حدّ التناقُض مع الإيمان والعقيدة وتعليم الكنيسة!.

وللأعراس المُزَيّفَة مَرَاسِمَ خاصّة بها، وهي تتحقّق في العادة على مرحلتين؛ أُولى تتمُّ في السرّ وما بين جُدران أماكن العبادة وأمام قِلّة قليلة من المدعوّين، وثانية تَتِمُّ في العَلن الذي من المُمكن أن يكون في أيّ مكان تتخيّله المُخيلّة، حتى ولو على سور الصّين! وأمام لائحة المدعوين كلّها. الأولى خجولة، كون الإعتقاد الدّيني أصبَح عيباً يُستعاب به ولا يُحاكي فَزلكات الرّاغبين في عُرسٍ لا يُشبِه الأعراس الوضيعة! والثانية مُتبَجِّحَة تهوى الحركات الإستعراضية والبهلوانية ولو على حساب المقدّس. في المرحلةِ الأولى يُصلّي المُحتفِل، وفي المرحلةِ الثانية يُصَلّي. إلاّ أنَّ صلاة المرّة الأولى ليست كصلاة المرّة الثانية، ففي الأولى يُصلّي بصِدق ويحتفلُ بمهابة، وفي الثانية يَدَّعي ​الصلاة​ وهو يُصلّي، فيكون أنّه يُصَلّي ولا يُصَلّي، خوفاً من أن يُصَلّي مرَّة ثانيّة بشكلٍ صحيح، فيمنح السرّ مرّة ثانيّة وهو ما يُعتبر بِلغَة الحقّ القانوني الكنسيّ، غير جائز وغير صحيح.

هذه هي فلسفة الدّهرنة التي تجعلُ كلَّ شيءٍ على قاعِدةِ قِيَمٍ واحدة؛ الغالي والرّخيص، الجمال والقباحة، القداسة والنّجاسة، المقدّس والدّنيوي... وقد بدأت تتسّلل إلى فِكرِ بعضِ رجال الكنيسة المؤتمنين على الأسرار الإلهية، فيتعاملون مع هذه الأخيرة على قاعدة دنيويّة محضة، فينزعون عنها، بقصدٍ أو من دونِه، قُدسيّتها وهيبتها ورهبتها، ما يجعلها كأيٍّ مادّة قابلة للإستهلاك. والمُشكِلَة أن القِلَّة القليلة تَعي خطورة ما يجري، وتداعياته الخطيرة على إيمان شعب الله، ونظرتهم إلى الأسرار المُقدّسة، التي يمُرُّ من خلالها الله إلى الإنسان ليجذب الإنسان إليه.

ورُبَّ سائلٍ يسأل: "ما الضَّير في تحديثٍ طفيف طالما أنّ الأماكن كلّها مقدّسة ولها نفس الكرامة كون الله حاضرٌ فيها"!. ولكن هل الله موجودٌ فِعلاً في كلّ الأماكن بطريقةٍ واحدة؟ ولِنُسَهّل الأمر على السائلين نقول: "هل لغرفة الإستقبال في المنزل نفس الكرامة التي لغرفة النوم؟ هل للمطبخ الكرامة نفسها التي لبيت الخلاء"؟. لا أحد يعتقد ذلِك!. نعم، الله حاضرٌ في كلّ مكان، ومجده يتجلّى في الطبيعة التي أبدع، "فالسماوات تُحَدّثُ بمَجدِ الله والجَلَدُ يُخبِرُ بِما صَنَعت يداه"(مز19: 1)، ولكن حلول الله في الطبيعة ليس كَحلوله في القربان المقدّس؛ في الطبيعة يحلُّ حلولاً طبيعيّاً كونه الخالق والضّابط الكُلّ، وهنا، أي في مكان العبادة، حيثُ جسده ودَمُه، يحلّ حلولاً فائق الطبيعة؛ بشخصه الحيّ وبكامل بهائه الإلهيّ، فيُصبِحُ المكانُ مُقدّساً جدّاً لحضوره فيه.

هذا ما اختبره موسى الذي أُخِذَ بمشهدِ العُلّيقة المُلتهِبة وكان بعيداً عنها. ولكنّه لمّا اقتربَ منها سمع صوتاً يقول له: "إخلع نعليك من رجليك، لأنَّ الأرض التي تطأها مقدّسة"(خر3: 5). لم يسمع موسى صوت الله يُحَذِّره من قُدسيّة المكان وهو في البعيد، ولكنّه سَمِع هذا الصّوت عندما اقترب من حضرَةِ الله "إخلَع نعلَيك". لماذا؟ لأنّ الله حاضرٌ في شخصه وعِزَّةِ جلاله في هذا المكان، ولهذا فإنّ مراسِمَ مناسِبة على موسى أن يقومَ بِها في حضرة الله.

إنّ فكّ الرّباط ما بين المقدّس والمكان المقدّس خطيرٌ لِدرجة أن من شأنه أن ينال من هَيبَة المقدّس على حساب بهلوانيّات واستعراضاتٍ هزيلة، رَغِبَ بها البعض، وسايرهُم بِها البعض الآخر المؤتمن على الأسرار الإلهيّة التي يَتَجسَّدُ من خلالها الله في عالَم الإنسان، ليَلِدَه إلى عالم الله.