منذ إعلان الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ عن نيته سحب قوات بلاده من ​سوريا​، لم تتوقف المواقف المتناقضة حول هذه الخطوة، ما يعكس حالة الإرباك التي تمر بها إدارته على هذا الصعيد، لا سيما أن الكثير من الجهات المعنيّة لم تكن على بينة من قراره، الذي لم يُنسق مع أقرب حلفاء واشنطن في المنطقة.

هذا الواقع، دفع ترامب إلى إرسال مستشاره للأمن القومي ​جون بولتون​ إلى الشرق الأوسط، لبحث هذه الخطوة الإستراتيجية مع "الشركاء" الإقليميين، لا سيما ​إسرائيل​ و​تركيا​، إلا أن بولتون لم ينجح في توضيح هذه التناقضات، بل على العكس من ذلك فاقمها، الأمر الذي كان له تداعيات سلبيّة على نتائج زيارته إلى أنقرة، بالتزامن مع الإعلان عن أن الإنسحاب لن يكون بشكل فوري.

في هذا السياق، من الضروري التنبه إلى أن ما يحصل يعود إلى الخلاف في وجهات النظر بين حلفاء الولايات المتحدة حول الأزمة، الذي يعود أصلاً إلى الصراع القائم بينهم على المستوى الإقليمي، خصوصاً بين المحورين السعودي التركي، الذي تفاقم بعد مقتل الصحافي السعودي ​جمال خاشقجي​ في قنصلية بلاده في إسطنبول، حيث كانت أنقرة أبرز المرحبين بالقرار الأميركي، الذي يرفع الغطاء عن "قوات سوريا الديمقراطيّة"، بينما كانت الرياض أبرز المرتابين منه، نظراً إلى أنه يفسح المجال أمام تركيا لتوسيع نفوذها في سوريا.

ما حصل، دفع الدول العربية، التي تدور في الفلك السعودي إلى إعادة النظر في علاقاتها مع سوريا، الذي ترجم عبر سياسة الإنفتاح التي تمهد الطريق أمام عودة دمشق إلى الجامعة العربيّة، نظراً إلى قناعتها بأنها الجهة الوحيدة القادرة على الوقوف بوجه التمدّد التركي على مستوى المنطقة، والأمر نفسه ينطبق على "قوات سوريا الديمقراطيّة" التي سارعت إلى إعادة تفعيل قنوات الإتصال مع الحكومة السوريّة، وهو ما ترجم بدخول قوات الجيش إلى مدينة منبج، بعد أن كانت وصفت الخطوة الأميركيّة بـ"الطعنة في الظهر".

ما تقدم لا ينفصل عن الواقع داخل الإدارة الأميركيّة حيث الصراع بين وجهتي نظر، الأولى تعتبر أن القرار غير صائب في توقيته، خصوصاً أنه يترك فراغاً سيسارع الجانبين الروسي والإيراني إلى إستغلاله، كما أن الإدعاء بهزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي غير صحيح، بالإضافة إلى أن تداعياته على علاقات واشنطن مع الحلفاء خطيرة، بينما الثانية تعتبر أن الإنسحاب يربك موسكو وطهران، لا سيما في ظلّ التداخل الواضح بين المصالح المتناقضة، وهو ما عبر عنه ترامب صراحة، عندما أعلن أن الوقت حان لكي يقاتل الآخرون، مع فشل المساعي التي يقوم بها لتشكيل ما يعرف بـ"الناتو العربي".

في ظل هذا الواقع، عمدت موسكو، منذ اليوم الأول، إلى التشكيك في النوايا الأميركيّة، حيث سارع الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ إلى الإشارة إلى أن واشنطن تعلن منذ سنوات رغبتها في الإنسحاب من أفغانستان من دون أن يتحقق ذلك، مع العلم أن روسيا قد تكون من أكبر المستفيدين في حال تنفيذ ترامب وعده، نظراً إلى قدرتها على إبرام تسوية بين الأفرقاء المتنازعين في شرق الفرات، أيّ "قوات سوريا الديمقراطيّة" والحكومتين السوريّة والتركيّة، بسبب العلاقات التي لديها مع الجهات الثلاث، حيث برز خيار دخول الجيش السوري إلى تلك المناطق، بالإتفاق مع الأكراد، لمنع أنقرة من تنفيذ تهديداتها بشن عملية عسكرية، على عكس ما هو الحال مع الولايات المتحدة، التي عليها الإختيار بين حليفين.

في المحصّلة، نجحت الجهات المعارضة لقرار ترامب في الإدارة الأميركيّة في كبح خطته للإنسحاب من سوريا، بشكل أو بآخر، لكن عملياً لا أحد يستطيع توقّع ما قد يقدم عليه أو يعلنه على هذا الصعيد، لا سيّما أن تركيّا تصر على القرار الأول، الذي جاء بعد مباحثات مع رئيسها ​رجب طيب أردوغان​.