في 12 تشرين الأوّل من العام 2017، وقّعت كل من حركتي "فتح" و"حماس" الفلسطينيّتين إتفاقًا لإنهاء الإنقسام المُزمن على الساحة الفلسطينيّة، وذلك بجُهود حثيثة من جانب مصر وبرعايتها(1). لكنّ الخلافات عادت إلى الظُهور مُجدّدًا بين الطرفين، وبلغ التدهور ذروته في الأيّام القليلة الماضية، حيث تبادلت كلّ من "فتح" و"حماس" خُطوات تصعيديّة عدّة. فما هي خلفيّات المُواجهة المُتجدّدة بين "فتح" و"حماس"، وأين يُمكن أن تصل، وهل يُمكن أن يقع صدام أمني بين الطرفين في مُخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين في ​لبنان​؟.

بداية، لا بُدّ من الإشارة سريعًا إلى أنّه بعد أن قضت "المحكمة الدُستوريّة الفلسطينيّة" بحلّ المجلس التشريعي الفلسطيني وبالدعوة إلى إجراء إنتخابات نيابيّة جديدة خلال ستة أشهر، بحجّة أنّ هذا المجلس لم يقم بأي عمل منذ 12 سنة(2)، ردّ المجلس التشريعي الفلسطيني بإقرار تقرير اللجنة السياسيّة في المجلس، والقاضي بنزع الأهليّة السياسية عن "الرئيس الفلسطيني" محمود عبّاس، وبرفض قرار الحلّ "غير الدُستوري والصادر عن محكمة غير دُستوريّة"–كما جاء في التبرير. وكانت حركة "فتح" قد قامت أيضًا بسحب موظفيها العاملين في ​معبر رفح​ بين ​قطاع غزة​ ومصر(3)، الأمر الذي تلاه منع السُلطات المصريّة دُخول سُكان القطاع إلى مصر، بعد إستلام "حماس" إدارة المعبر الذي يمرّ عبره شهريًا نحو 12000 فلسطيني ذهابًا وإيابًا. ومن شأن هذا الإجراء أن يزيد الضُغوط على نحو مليوني فلسطيني يقطنون قطاع غزّة، وهم يُعانون من الحصار المفروض عليهم من قبل ​الجيش الإسرائيلي​ منذ منتصف العام 2007.

بالنسبة إلى خلفيّات المُواجهة المُتجدّدة، وإضافة إلى الصراع التقليدي على السُلطة بين كل من "فتح" و"حماس"، فإنّ الخلافات تشمل تباينًا في المواقف السياسيّة من أكثر من ملفّ فلسطيني سياسي وأمني، لجهة الأسلوب الواجب إتّباعه في التعامل مع الخروقات والإعتداءات الإسرائيليّة المُتكرّرة على الفلسطينيّين، وكذلك لجهة الأسلوب الواجب إعتماده لمُواجهة الضُغوط الأميركيّة لتمرير تسوية شاملة على حساب القضيّة الفلسطينيّة، وتحديدًا على حساب حق عودة اللاجئين وحقّ إستعادة الجزء الأكبر من الأراضي المُحتلّة. كما أنّ عودة علاقات حركة "حماس" بإيران، والدعم المالي والسياسي الذي تلقاه الحركة الإسلاميّة من قطر، أثار حفيظة الدول العربيّة والخليجيّة الداعمة للسُلطة الفلسطينيّة، وزاد التباين بين الطرفين. والمُفارقة أنّ "حماس" تتهم "فتح" بالرضوخ للإملاءات الأميركيّة التي تأتي برأيها بإيعاز إسرائيلي للتضييق أكثر على حركات "المُقاومة الإسلاميّة"، بينما تعتبر "فتح" أنّ ما يحصل هو ضُغوط أميركيّة مُتصاعدة لإستبدال رئيس السُلطة الفلسطينيّة محمود عبّاس، بعد أن رفض المُوافقة على "صفقة القرن" التي هي عبارة عن خطّة حلّ أميركيّة للصراع بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين تميل بوضوح لصالح إسرائيل.

وبالنسبة إلى ما يُمكن أن يحصل من تدهور إضافي بين حركتي "فتح" و"حماس"، فإنّ عمليّة "شدّ الحبال" مفتوحة على مصراعيها حاليًا، حيث أنّ السحب المُتبادل للإعتراف بشرعيّة كل من "الرئيس" عبّاس، و"المجلس التشريعي الفلسطيني"، يستوجب إعادة ترتيب السُلطة الفلسطينيّة من جديد. لكنّ السؤال الذي يفرض نفسه، يتركّز حول الجهة التي ستقوم بهذه المُهمّة، في ظلّ سيطرة كل من "فتح" و"حماس" على جزء من الأراضي الفلسطينيّة، ما يعني العجز عن التحرّك سياسيًا في الجزء الآخر. كما أنّه من غير المُستبعد على الإطلاق، أن تستغلّ أكثر من دولة إقليميّة ودوليّة الإنقسام الحالي، للعمل على ترتيب سُلطة فلسطينيّة جديدة تكون مُوافقة على التسوية الغربيّة للقضيّة الفلسطينيّة، وعلى فرضها بالقُوّة على الجهات الفلسطينيّة التي لا بُدّ أن تُعارضها وأن تُحاول الوُقوف أمام تنفيذها ميدانيًا.

وبالنسبة إلى إحتمال إنتقال التصعيد الحالي بين "فتح" و"حماس" إلى لبنان، مع كل ما يحمله هذا الأمر من مخاطر أمنيّة داخل المُخيّمات، فإنّ كل المعلومات تؤكّد رفض كلّ من الطرفين بشكل كامل لأي صراع عسكري بينهما على الأراضي اللبنانيّة، بغضّ النظر عمّا سيحصل في الأراضي الفلسطينيّة. وكل من "فتح" و"حماس" يعي خُطورة الإنزلاق لأيّ نوع من التوتّر الأمني في المُخيّمات، والتنسيق كامل مع السُلطات اللبنانيّة للحفاظ على الهُدوء، وخُصوصًا لمنع أي جماعات فلسطينيّة مُتطرّفة من إستغلال التوتّر السياسي الحالي، للعمل على جرّ المُخيّمات في لبنان إلى مُواجهات دمويّة. وعلى الرغم من الإنقسام اللبناني التقليدي بين مُؤيّد للسُلطة الفلسطينيّة المُعترف بها عربيًا ودَوليًا، ومُؤيّد لحركات "المُقاومة الفلسطينيّة المُسلّحة" ضُدّ إسرائيل-على الرغم من الإرتدادات السلبيّة التي ظهرت بسبب بعض مواقف "حماس" خلال مرحلة الحرب السُوريّة، فإنّ مُختلف الأطراف على الساحة اللبنانيّة مع الحفاظ على أقصى درجات الإستقرار وضبط الأمن داخل المُخيّمات الفلسطينيّة، ويقفون صفًا واحدًا بوجه أيّ مُحاولات لتعكير أجواء الهدوء من أيّ جهة أتت.

في الخلاصة، لا شكّ أنّ القضيّة الفلسطينيّة تمرّ حاليًا بمرحلة حرجة جديدة في تاريخها غير المُستقرّ أساسًا، والأيام والأسابيع القليلة المُقبلة ستُحدّد ما إذا كانت الأمور ستتجه نحو التهدئة والتسويات المُوقّتة من جديد، أم أنّ التصعيد الحالي سيتواصل. لكنّ الأكيد أنّ مُخيّمات لبنان بمنأى عن هذا الصراع المُستجد، وأي مُحاولات لتوتير الإستقرار فيها، ستواجه بحزم.

(1) نصّ الإتفاق خُصوصًا على تسليم "حُكومة الوفاق الفلسطيني" مهمّات إدارة وزارات ومؤسّسات قطاع غزّة، مع دفع رواتب عشرات آلاف المُوظّفين الذين عيّنوا بعد تولّي ​حركة حماس​ الحُكم في غزة، إضافة إلى تسليم المعابر إلى أمن السُلطة الفلسطينيّة.

(2) منذ العام 2007 عندما سيطرت حركة "حماس" عسكريًا على غزّة، وتفجّر الخلاف الأمني بين الفصائل الفلسطينيّة، بحيث تعطّلت كليًا عندها أعمال المجلس الذي كانت "حماس" قد سيطرت عليه في العام 2006.

(3) كانت السُلطة الفلسطينيّة قد تسلّمت إدارة معابر قطاع غزّة في الأوّل من تشرين الثاني 2017، بموجب إتفاق المُصالحة الذي تمّ برعاية مصريّة.