يتقلّب ​اللبنانيون​ وكأنّهم فوق مثّلث برمودا أو في أعماقه. ثلاثة خيارات لأزماتهم يطرحها السياسيون أتركها لخاتمة المقال لأنّها مستحيلة لذا نطرح فكرة الإستفتاء على لبنان الجديد قبل أن يختم على لبنان بالشمع الأحمر الدولي.

لبنان نبع أزمات أغرقه في الفساد والتلوّث العام وتفشّي الأمراض وحشو الإدارات المهترئة لتتراكم أجيال الجهل والبطالة والعوز وتنهار الميادين والقطاعات الإقتصادية بين أيدي حفنة ممّن أطبقوا على كلّ شيء.

مثال تربوي متعدد الأبعاد:

طوال العقود الماضية، تمّ في لبنان تعيين جيوش من المعلّمين واساتذة الجامعات غير المؤهّلين بسرعة لتطويق تدفّق التلاميذ وأبناء النازحين والطلاّب، وصاروا مثبّتين في وظائفهم أو قابلين للتثبيت. يبدو لي أنّ العديد من هؤلاء المدرسين الجدد هم في جهالة تلامذتهم الذين يتفوقون عليهم أحياناً كثيرة. لا تصدّقوا عيونكم ، بل صدّقوا عقولكم. ينسحب المثال على معظم الإدارات في لبنان.كلّ قادر فاتح لبنان على حساب جيبه.

لا تصدّقوا آذانكم وعيونكم ، بل صدّقوا عقولكم.

لا يستأهل إنتخاب رئيس أو تسمية رئيس وزراء أو تشكيل حكومة أو وزير كل هذا العناء والأزمات والتجاذبات، ولو صدّقنا نصوص الحكم الديمقراطية المكدّسة المهلهلة في لبنان بأنها سبّاقة لنصوص حقوق الإنسان والأمم المتّحدة.

نحن في محنة إقتصادية ومالية ونقدية خطيرة جدّاً. مسافات هائلة تترسّخ بين اللسان والإنسان وبين النصوص والتطبيق وبين البيانات الوزارية ومنجزات الحكومات والخطب والمواعظ الدينية والسياسية والبرامج والخطى المرذولة.

المزاج المذهبي هو القشّة الطافية على السطح السياسي سلاحاً مبتوراً لحشد البؤساء الجهلاء. الحقائق قائمة في محاصصات حفنةٍ متحكّمة ينزلق لبنان من بين أصابعها بصفته دكّاناً مفلساً أو تمّ إفلاسه ويتسابقون لإفراغ بقاياه قبل ختمه بالشمع الأحمر الدولي.

نحن في قلق متراكم، لا للتعثر المستورد والممجوج في إنتخاب الرؤوساء وتكوين الوزارات وبياناتها، بل لأنّ وعياً تجاوز إيقاعات طبقة سياسية معقّدة تنبذ التغيير وتقدّس الإنقسامات الكاذبة:

فريق يشهر سلاح التشفّي والسجون والمحاسبة والمساءلة فلا يحكم وفريق يشحذ شاهراً أساليب المعارضة والتحقير فلا يلضم، وفريق ثالث يُطرح لبنان بمصيره فوق الطاولات الحوارية الإقليمية والدولية. الفريق الأكبر (65 بالمئة) يشحذ اللقمة ويبحث بكلّ الوسائل عن لبنان الجديد في زمن أجوف إنتقالي محفوف بالدماء والقمع والثورات التائقة نحو الرماد. لا مجال لأحزاب جديدة تخرق الطوائف فتخلق أي تغيير في بناء لبنان السياسي المتكلّس المنخور بالعقل النفعي الإقطاعي. وبالتجربة، لا مجال أو نفعاً حتى الآن من التجمّع والتظاهر وإستنساخ أصحاب السترات الصفراء Les gilet jaunes أو التكسيريون Les casseurs كما حصل ويحصل في ​فرنسا​.

لا تصدّقوا عيونكم ولا آذانكم ولا بعض إعلامكم ، بل صدّقوا عقولكم.

حتّى الفراغ اُفرغ من إعتبار اللبنانيين وإهتمامهم.

ماذا يعني الفراغ غير إنتفاء السلطة؟

لا يعني السقوط بل التقرّب من الحافّة. يسعون فوق الحبال والحفافي على رأس السطوح مهدّدين بأية عاصفة هوجاء ترمينا الى تحت. لطالما كانت المواقد المشتعلة تنتظرنا تحت. تاريخ مقيم بين الفراغ والتعثّر: فراغ أخير لعامين ونصف تقريباً بحثاً عن رئيس للجمهورية تمّ تجاوزه بإنتخاب ​ميشال عون​ الذي يعشق الصمت ( لماذا يصمت العسكريون في القصور الرئاسية لا خارجها ؟). وجد اللبنانيون رئيس حكومتهم ​الحريري​ وبلدهم يتعثّر أمام أشواك تأليف الحكومة. كلّ يوم قد تؤلّف الحكومة وما فات زمن الإنتظار بعد بالنسبة للبعض وقد لا تؤلّف بالنسبة للبعض الآخر لأنّ الكيديات والمحاصصات تتكدّس في النفوس وتحت الطاولات وفي الجيوب. إن تمّ تأليفها ولنقل تشكيلها، سيقع اللبنانيون في تعثّر إنجاز البيان الوزاري الذي صار كما الدستور وجهات نظر مملّة لا علاقة لها بما يحكم أطماعهم الشخصية. يتقاتل الزعماء في لبنان على الكرسي وألقاب الفخامة والسعادة والمعالي قافزين من مكانٍ الى آخر في مكاسب السياسة ودهاليزها، وكأنّهم سلالات إلهية تحكم منذ ما قبل الميلاد بقرون تباعاً.

لا تصدّقوا عيونكم ، بل صدّقوا عقولكم.

وصلت إلى خاتمة المقال حيث الخيارات المستحيلة بعدما رست خزينة لبنان على إنزلاقات تهدد الأمن المالي والإقتصادي والإجتماعي، وتحشو المستقبل بأصناف القلق وب 3 حلول:

1- إمّا أن تنتشلنا أيادي ​الخليج​ والعرب غداً

2- يتفجّر الغاز والبترول في بلادنا غداً

3- نذهب إلى مؤتمرات الإستدانة مجدّداً وغداً.

نحن تجمع 300 شخصية وأنا منهم، نحضّر داعين إلى الدولة المدنيّة كخطوة أولى عبر إستفتاء مستقلّ ل 5 ملايين لبناني مقيماً ومغترباً يدلون بأصواتهم بواسطة موقع إلكتروني ذي سُمعة دولية تحصّنه من الإختراق. وبعيداً عن أي سيطرة أو ترهيب من الطبقة التي تُعيد إنتاج نفسها بخرق الدستور والتمديد للبرلمان وإقرار قانون إنتخابي شوّه النسبية وحاصص جغرافياً ومذهبياً مستغلاً الصوت التفضيلي لضمان إعادة إنتاج الطبقة عينها.

لربّما يفتح هذا الإستفتاء نافذة للبنانيين لأول مرة في تاريخهم، فيُدلوا بأصواتهم ويعبّروا عن رغبتهم في شكل الدولة المدنيّة المنتظرة.