عند الساعة العاشرة صباحًا من يوم الأربعاء في 16 من الشهر الحالي، وبدعوة مُباشرة من البطريرك الماروني مار بشاره بطرس ​الراعي​، ستستضيف ​بكركي​ إجتماعًا مسيحيًا مُوسّعًا جدًّا، وذلك "للتداول في دور ​الموارنة​ بمُواجهة الأوضاع العامة في ​لبنان​ والمنطقة(...)"(1)، بحسب ما جاء في بيان الدعوة والذي وصف الإجتماع أيضًا بالتشاوري الوجداني. فما هي أسباب هذا الإجتماع، وما هي فُرص نجاحه؟.

لا يختلف إثنان أنّ لبنان يُواجه حاليًا مجموعة من المشاكل المُزمنة والمُتراكمة، ومجموعة من الضُغوط الإقليميّة والدَوليّة، ومجموعة من الإستحقاقات الداهمة، الأمر الذي يتطلّب الكثير من الجُهد لمُواجهة هذه الرُزمة من الصعاب بأقلّ ضرر مُمكن. ويُمكن إختصار أبرز الملفّات الحالية، على الشكل التالي:

أوّلاً: ضُغوط حُدوديّة إسرائيليّة، تترافق مع إستفزازات وخروقات جويّة ومع تهديدات إعلاميّة، وكذلك مع ضُغوط سياسيّة أميركيّة على لُبنان، بحجّة "أنفاق ​حزب الله​".

ثانيًا: ضُغوط سوريّة بالوكالة على لبنان، تهدف إلى إعادة النُفوذ السُوري السياسي في الملفّات اللبنانيّة، إلى ما كان عليه الوضع قبل العام 2005، تارة تحت حجّة ضرورة تمثيل "نوّاب ​اللقاء التشاوري​" في الحُكومة المُقبلة، وتارة أخرى تحت حُجّة رفض إستقبال الوفد الليبي في القمّة العربيّة، وطورًا تحت حُجّة ضرورة إعادة تطبيع علاقات لبنان الثنائيّة مع ​سوريا​ بشكل كامل، على مُختلف الصُعد، بدءًا برفض إستبعادها عن القمّة الإقتصاديّة في ​بيروت​، إلخ.

ثالثًا: ضُغوط إقتصاديّة، تزيد من الصُعوبات التي يُواجهها لبنان.

رابعًا: خلافات سياسيّة داخليّة لا تُعدّ ولا تُحصى، الأمر الذي ضاعف من التدهور الإقتصادي والمعيشي والحياتي في لبنان، في ظلّ عجز الدولة المُستمرّ عن توفير أبسط مُقوّمات العيش الكريم للمواطنين اللبنانيّين، إلخ.

لكنّ كل هذه المشاكل والمصاعب والضُغوط المذكورة أعلاه، والتي تعرفها بكركي خير مَعرفة، في ميل، وقلق الكنيسة المارونيّة الأساسي في ميل آخر. فبحسب المعلومات المُتوفّرة إنّ البطريركيّة المارونيّة وجّهت الدَعوة إلى الإجتماع الماروني–المسيحي المُوسّع لإعادة توجيه البُوصلة على مُستويّين رئيسيّين:

المُستوى الأوّل: ضرورة عودة التنسيق بين مُختلف المرجعيّات السياسيّة والأحزاب والشخصيّات المسيحيّة بعيدًا عن الخلافات والمصالح الحزبيّة والشخصيّة الضيّقة. وهمّ بكركي في هذا المجال كبير، لجهة ضرورة أن تُسارع مُختلف الشخصيّات والقوى والأحزاب المسيحيّة إلى الترفّع سريعًا عن الخلافات المصلحيّة الضيّقة، وحتى السياسيّة التكتيّة، لصالح إدراك القادة المسيحيّين جميعهم حجم المخاطر الإستراتيجيّة التي تُهدّدهم كمجموعة سياسيّة واحدة، وليس كحزب من هنا أو كشخصيّة من هناك، ما يُحتّم التضامن الكامل والتكافل التام بين مُختلف القُوى المسيحيّة، ليس ضُد مُعسكر طائفي أو مذهبي آخر، إنّما حفاظًا على حُقوق وعلى مُكتسبات الطائفة المسيحيّة ككل، والتي جرى حفظها على مدى عُقود بالنضال والجُهد وحتى بالدماء في الكثير من المراحل.

المُستوى الثاني: ضرورة عودة المسيحيّين إلى لعب الدور الطليعي على مُستوى القرار الوطني العام، لجهة المُشاركة الحاسمة في السُلطة وفي الحُكم، ولعب الأدوار الطليّعيّة والقياديّة مع تطبيق ​سياسة​ الإنفتاح على مُختلف القوى الأخرى في الوطن، لكن في الوقت عينه مع رفض تقزيم وتحجيم الدور المسيحي أو الإلتفاف عليه. وهمّ بكركي في هذا المجال كبير أيضًا، لضرورة إفهام المسيحيّين المعنيّين أنّ الدور الوطني الطليعي للمسيحيّين لا يُمكن أن ينجح إذا إستمرّ الإنقسام الداخلي على مُستوى الصفّ المسيحي، حيث يجب أوّلاً تحصين الساحة المسيحيّة الداخليّة، وإزالة الشوائب منها، قبل التوجّه إلى باقي شُركاء الوطن من الندّ للندّ، كقُوّة مُوحّدة لا ترغب بقضم حُقوق أي طائفة أو مذهب آخر، إنّما بحفظ حُقوق الطائفة المسيحيّة، وخُصوصُا بحفظ أسس ومكوّنات الكيان اللبناني بجناحيه العريضين، أي بمسيحيّيه وبمُسلميه على السواء، وبمُختلف مُرتكزاته المذهبيّة المُنوّعة وقواه السياسيّة المُتعدّدة.

في الختام، لا شكّ أنّ بكركي تُعلّق آمالاً كبيرة على إجتماع يوم الأربعاء، لجهة حجم المُشاركة ونوعيّتها، تمهيدًا للتوصّل إلى قرارات بحجم المسؤوليّات المطلوبة، لوقف الخط الإنحداري الخطير اللاحق بالمسيحيّين أولاً، وبالكيان اللبناني ثانيًا، مع التأكيد أنّ الحفاظ على الدولة اللبنانيّة وعلى توازناتها يجب أن يمرّ بتأمين وحدة الصف المسيحي أمام المخاطر الكبرى التي يواجهنوها كمجموعة.

(1) جاء في بيان بكركي بشأن أسباب الدعوة: "... وذلك للتداول في دور الموارنة بمُواجهة الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة، وما بلغت إليه من تردّ على الصعيد السياسي والإقتصادي والإجتماعي، وما تقتضيه من مُبادرات ومقاصد تنسجم وواجبهم في الحفاظ على دولة لبنان التي كانوا في أساس قيامها وقدّموا المئات من الشُهداء في سبيل بقائها".