لَطالَما كان القِطاعُ العامُّ في إِسْرائيل، يُعْتبَر واحدًا من الأَكْثر فَسادًا في العالَم الغَرْبيِّ، مُنْذ نَحْو عَقْدٍ. كما وبَقي مُسْتوى الفَساد الَّذي جرى قِياسُه في إِسْرائيل عام 2013 مُرْتَفِعًا، قِياسًا لِدُوَل مُنَظَّمة التَّعاون الاقْتِصاديِّ والتَّنْمية (OECD). هذا ما يَظْهَر مِن تَصْنيف ​الفساد​ الدَّوليِّ الَّذي تَنْشره "مُنَظَّمة الشَّفافيَّة الدَّوليَّة"(TI). كَما وتُشكِّل "صِناعة تَبْييض الأَموال" مِهْنةً كُبْرى داخِل "إِسْرائيل"، ومعها الصَّفُّ العَريض مِن المِهَن ذات الطَّابع المُتَقارب معها، وعلى رأسِها الاتْجار بالجِنْس والتَّزْوير والقَرْصَنَة، بِما بات يُشْبه التُّراث عِنْدهم!.

وكانَتْ إِحصائيَّةٌ صادِرة عَن مُنظَّمة أَبْحاث السُّوق السَّوداء "هافُكسكوب"، كَشَفت أَنَّ إِجْماليَّ عائِدات الفَساد في إِسْرائيل بَلَغت أَكْثر مِن 7.03 مليارات دولار أَميركيّ (بحسب إِحصائيَّة صدرَت عام 2014)، إِلى جانِب عائِدات تَهْريب المُخَدِّرات والبَشَر، وتَزْوير العُمُلات وتَزْييف المَنْتوجات، وقَرْصَنة البَرْمَجيَّات والأَفْلام والموسيقى والكُتُب وأَلْعاب الفِيديو، والاتْجار بالأَعْضاء البَشريَّة والسِّياحة الجِنْسِيَّة.

وذَكَرَت الاحصائيَّة أَنَّ عائِدات أَلْعاب المَيْسر غَيْر المُشَرَّعة بلَغَت نحو 100 مِليار دولار، بَيْنما بَلَغت عائِدات تَهْريب المُخَدِّرات نَحْو 7 مِليارات دولار، وتَهْريب البَشَر مِن إِفْريقيا نَحْو 733 مليونًا، في حين بلَغَت عائِدات تَزْوير العُمُلات وتَزْييف البَضائِع نحو 733 مليون دولار، وعائِدات قَرْصَنة البَرْمَجيَّات نحو 200 مليون، وقَرْصَنة الأَفْلام والمُوسيقى 87 مليونًا، عَدا عن الاتْجار بالأَعْضاء البَشَريَّة. وفي هَذا الإِطار تَنْدرج مَسْأَلة المُتاجَرَة بأَعْضاء الشُّهَداء الفِلَسطينيِّين الَّذين تَقَع جثامينُهُم بَيْن أَيْدي الجَيْش الإِسرائيليِّ. وأَمَّا البَغاء والمُتاجَرَة بالجِنْس، فيُشَكِّلان مَوْرِدًا ماليًّا ضَخْمًا في إِسْرائيل، في صُنْعَةٍ كانَت بدَأَت مُنْذ زَمَنٍ طويلٍ... ومَرْدود تِلْك الصِّناعة يَصِل إِلى نَحو أَرْبَعة مِلْيارات دُولارٍ أَميركيٍّ سَنَويًّا (إِسْرائيل في المَرْتبة الثَّانية وَفْق الكَثير مِن التَّقارير الدَّوْليَّة الصَّادِرة عَن مُنظَّمات حُقوق الإِنْسان). كما ويَعْمل نَحْو عِشْرين أَلْفًا بَيْن رَجُلٍ وامْرَأَةٍ في البَغاء، في دورٍ يَزُورها أُسْبوعيًّا حَوالَي مليون إِسرائيليٍّ يُشَكِّلون خُمْسَ سُكَّان إِسْرائيل تَقْريبًا.

وكانَت "لَجْنة حُقوق الإِنْسان" التَّابِعة للكِنيسِت الإِسْرائيليِّ، أَعْلنت أَنَّ ما يَزيد عَلى ثَلاثة آلاف امْرَأَةٍ، يُبَعْن في سوق الدَّعارة، في صَفَقاتٍ تَصِل قيمَتُها إِلى مِليار دولار أَميركيٍّ.

إِلى ذَلِك يُجْرى سَنَويًّا تَهْريب ثَلاثَة آلافٍ إِلى خَمسَة آلاف فَتاةٍ إلى ​إسرائيل​، ويُبَعْن كسِلَعٍ للعَمَل في الدَّعارة، ويتمُّ دُخول هَؤُلاء عن طَريق عُقُود العَمَل المُوَقَّتة، أَو خِلْسةً عَبْر الحُدود.

مُقاربَةٌ عثمانيَّةٌ

لم يَجِد المُؤَرِّخون أَفْضَل مِن لَقَب "ياوز"، لِيَخْلَعوه على السُّلطان العثمانيّ سليم الأَوَّل، الَّذي قَتَل أَشقَّاءَه وأَوْلاده، واعْتادَ أَنْ يَقْتل وزراءَه بَعْد كُلِّ ما قدَّموه مِن خِدْماتٍ له ولِحُكْمه... وإِذا أَراد أَحَدٌ الانْتِقام مِن خَصْمه كان يَدْعو الله أَنْ يُصْبِح هَذا الخَصْم وزيرًا في بلاط السُّلطان سليم الأَوَّل لأَنَّ مَصيرَه المُحتَّم هو المَوْت.

غَيْر أَنَّ الأَمْر يَخْتلف في إِسْرائيل، حَيْث شَيْطان الفَساد يَرْكب أَكْتاف غالِبيَّة رُؤَساء الوزراء ووزَرائِهم وكذلكَ عُقولَهم، وعُقولَ الكَثير مِن قادَة الأَحزابِ الإِسْرائيليَّةِ ورؤَسائِها، عدا عَن لَعْنَة التُّهَم بالمُلاحَقات الجِنْسيَّة الَّتي تَنْسَحب أَيْضًا على المئات من ضُبَّاط الجَيْش والشُّرطة. وقَد أَصْبَح تولِّي رِئاسة الوزراء مثَلاً مُؤَشِّرًا ودليلاً من دلائِل الفَساد، وباتَت المُعادَلة: رَئيس الوزراء يُساوي فَسادًا، وكَذَلك الوَزير وقائِد الحِزْب...

وعدا صَوْلات "رئيس الوزَراء" الحاليِّ ​بنيامين نتانياهو​ وجولاتِه في عالَم الفَساد، فإِنَّ هذا الملفَّ مُثْقَل بِعَشرات الأَسْماء البارِزة، ومِنْها إِسحَق مَرْدَخاي "وَزير الدِّفاع السَّابق" مَع فَضيحَتِه الخُلُقيَّة، و"فضيحة درْعي" الَّذي حُكِم عَلَيه بالسَّجْن لِفَسادِهِ داخِل حِزْبه كما وفي وزارة الدَّاخليَّة الَّتي كانَ تولاها، إِضافةً إِلى التُّهَم والشُّبُهات الَّتي دارَت حَوْل ليئَة رابين المُتَّهَمَة بِقضايا ماليَّة وفَتْح حِساباتٍ سِرِّيَّةٍ في واشنْطن، وقَد سَبَقها موشيه دَيان العَسكريُّ والسِّياسيُّ الرَّاحِل، عِندما دارَت حَوْله شُبُهاتٌ خُلُقِيَّةٌ واتُّهِم بإِخْفاء مَخْطوطاتٍ مُهِمَّةٍ وسَرِقة قِطَع من ​الآثار​، وبِخاصَّةٍ بَعْد حَرْب 1967. وللحَديث صِلَة...