كلّ شيء معدٌ وجاهز عربياً بشأن ​سوريا​. سبقت ​الإمارات​ باقي الدول العربية، في فتح سفارتها في دمشق، والبدء بمسار جديد من العلاقات تطوي صفحة الحرب، بإنتظار كل العواصم الخليجية، التي صارت مستعدة، و خصوصا المملكة العربية ​السعودية​، التي يُفترض ان تخطو ذات الخطوات الإماراتية، من دون تحديد زمانها، علما ان المعلومات ذكرت أن الرياض بدأت منذ اب الماضي، التواصل مع السوريين، بإنتظار ساعة الصفر، التي لا تعود للعرب وحدهم، بل إن الأميركيين قادرون على التشجيع أو فرملة الاندفاعة الخليجية نحو دمشق.

وبحسب المعلومات، فإن ارباكا عربيا رُصد في الأسابيع الماضية نتيجة الصراع الدائر في ​الولايات المتحدة الأميركية​ بين البيت الأبيض من جهة، و"المؤسسة العميقة" من جهة ثانية. فالرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ شجّع العرب بالعودة الى فتح علاقات مع دمشق، على قاعدة منع سوريا من أن تكون ساحة مباحة للإيرانيين والأتراك، الذين يشكلّون هاجساً يُقلق المحور العربي الثلاثي: مصر-السعودية-الإمارات. بينما تدخّلت "المؤسسة العميقة" في الولايات المتحدة لفرملة الاندفاعة العربية بإتجاه سوريا، وأبلغت القاهرة والرياض و أبو ظبي بوجوب الإنتظار. الفارق بين الموقفين الأميركيين أن الأول (فريق ترامب) لا يكترث بوضع المنطقة، ولا يعنيه سوى الداخل الأميركي، ولذلك لا يُظهر اهتماما كثيرا، بإنتظار تغريدة تُحدد رأيه، بينما يتابع الفريق الثاني (المؤسسة العميقة) كل تفصيل شرق اوسطي او عربي، من خلال اتصالات، وموفدين.

هل يعني ان العرب تائهون بين خطين أميركيين؟

يقول المطّلعون إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يعطي الاولوية لتوجهات ترامب، ولذلك تبدو رؤية بن سلمان انفتاحية على دمشق، لكن "المؤسسة العميقة" لا تُخلي الساحة لتفرد ترامب. ومن هنا جاءت الفرملة الموقتة للخطوات العربية تجاه سوريا. وبينما كان منتظرا فتح سفارة السعودية سريعا، واعادة دمشق الى جامعة الدول العربية، ودعوتها لحضور القمة المرتقبة في تونس، جمّدت العواصم العربية تلك القرارات، من دون الغائها، بإنتظار خطوة دولية ما.

لكن ذلك لا يعني التفرج على الاتراك على الحدود الشمالية السورية، لأن الإماراتيين جادّون في منع تدخل أنقره. وقد جاء تصريح وزير الشؤون الخارجية في الامارات العربية انور قرقاش حول ابقاء الكرد ضمن حضن الدولة السورية، وعدم القبول بتجزئة او فصل، يعكس جدية الخليجيين في الوقوف بوجه الطموحات التركية في شمال سوريا. علما ان المحور التركي-القطري، كان حاول جذب دمشق اليه، لكن سوريا فضّلت المحور العربي، المكوّن من مصر-السعودية-الامارات، لأسباب عدة، منها طبيعة العلاقات الحارة بين دمشق وابوظبي والقاهرة، والرأي المشترك بينهم بشأن "الإخوان المسلمين". فالثلاثة يجتمعون ضد تلك الجماعة الاسلامية.

لكن، هل يؤثر ذلك على العلاقة بين دمشق وطهران؟

يجزم المطلعون ان طبيعة العلاقة بين سوريا و​ايران​ قوية وعميقة ومتجذرة بعد ان عمّدت بالدم طيلة السنوات الماضية. لكن ذلك لا يمنع ان تلعب كل دولة ادوار سياسية لخدمة مصالحها. فتُبقي طهران على حسن علاقاتها مع تركيا وقطر، وتكون سوريا خط الوصل بين الايرانيين والمحور العربي. علما ان المحور المذكور يريد سحب دمشق من تحالفها مع طهران، وهذا مستحيل.

الأهم ان الدور السوري المقبل قادر على النجاح، هو رصد مؤشرات تفيد بوجود حوار اميركي-ايراني سرّي، للوصول الى صفقة، رغم كل الخطوات الاميركية التي تتظهر في مؤتمر بولندا المرتقب. وحدها ​اسرائيل​ هي سبب العرقلة، لأنها تفرض مصالحها، وضمان امنها، ووجودها كأولوية على اية أجندة أميركية، سواء عند ترامب او عند اخصامه الاميركيين. ولذلك، تبقى الخيارات مفتوحة، رغم ميلها الى وجود صفقات مقبلة لا تُلغي التوترات الاقليمية، بل تزيدها سخونة في مرحلة سحب الاميركيين انفسهم، والاعتماد على ادواتهم. علما ان هناك مقولة أميركية تفيد بأن سحب انفسهم يعني الفوضى، لعدم قدرة دول المنطقة على تنظيم الخلافات بين العواصم. فهل يعني ذلك ان المحاور تستعد لحروب جديدة، بواسطة الادوات؟ لا شي يمنع.