يحاول البطريرك الماروني ​بشارة الراعي​ أن يخلق جوّا من التفاهم المسيحي حول الأمور والملفات الاستراتيجية في ​لبنان​، ليكون ضمانة لاستمرار النظام والحقوق ​المسيحية​ من جهة وتطبيق مندرجات ​اتفاق الطائف​ من جهة أخرى، اذ ليس الهدف بحسب تأكيدات المجتمعين "التقوقع" المسيحي او الماروني، ولا الهدف توجيه اللقاء ضد أحد.

التقى رؤساء الكتل البرلمانية ​الموارنة​ الى جانب النواب الموارنة تحت عباءة ​بكركي​. ينتمون دينيا الى خط واحد ولكنهم سياسيا ينتمون الى خطوط متنوعة، لا بل متعارضة، يملك كل فريق منهم مشروعا سياسيا، فكيف كانت أجواء اللقاء، وهل استطاع النجاح في أهدافه المعلنة وغير المعلنة؟.

لناحية الشكل، فقد حقق اللقاء المطلوب منه، اذ تمكّنت بكركي من جمع الخصوم، فشهد اللقاء مصافحة، ولو باردة، بين رئيس تيار ​المردة​ ​سليمان فرنجية​ ورئيس ​التيار الوطني الحر​ ​جبران باسيل​، اضافة الى احاديث وتحيات متبادلة بين مختلف النواب الذي حضروا اللقاء، وهذا يقدّم صورة خارجية جيدة تريح الشارع المسيحي، وعندما يرتاح هذا الشارع سينعكس الأمر حتما على كل الشارع اللبناني.

اما لناحية المضمون، فقد كان واضحا بأن كل فريق شارك ضمن رؤيته الخاصة للقاء، وأراد من خلال مشاركته التعبير عن رؤيته لحلول المشاكل التي طرحها البطريرك الراعي في سياق دعوته للقاء. لم تكن برامج الاحزاب المشاركة موّحدة، الأمر الذي تُرجم من خلال الكلمات التي ألقاها رؤساء ​الكتل النيابية​ داخل القاعة، فكانت جميعها مؤيدة لما جاء في بيان الراعي الافتتاحي لناحية ضرورة الالتزام ب​الدستور​ وتطبيق اتفاق الطائف بكامل حذافيره، وهذه نقاط لا يختلف عليها اثنان في الجمهورية اللبنانية، نظريا، بينما عمليا يعود كل فريق لتفسير الدستور وفقا لمشاريعه.

في ال​سياسة​، كانت الخطابات انعكاسا لسياسة كل طرف، فكانت كلمة التيار الوطني الحر مشددة على ضرورة دعم العهد كون الرئاسة، وإن كانت اليوم بحوزة ​الرئيس ميشال عون​ الا أنها قد تنتقل الى غيره في المستقبل، وبالتالي فلا مصلحة لأحد بإضعاف هذا الموقع، خصوصا وان الرئيس الذي يجلس في ​بعبدا​ اليوم هو الشخصية المسيحية الأقوى، ما يعني أن احدا في المستقبل لن يكون بحال أفضل اذا لم يقف ​المسيحيون​ خلف هذا الموقع.

اما الرد السياسي القاسي كان من فرنجية الذي اكد ان اللقاء لا يهدف لتأمين الدعم للمطالبين بالحصول على الثلث المعطل في ​الحكومة​، وبالتالي لن تنجح محاولات تحويله الى وجهة محددة، مشددا في الوقت نفسه على وقوفه خلف الكنيسة بمواقفها الداعية الى فضّ الخلافات المسيحية، وعودة المسيحيين للاهتمام بالقضايا الوطنية، رغم عدم إعجاب المردة باللقاءات التي تحمل الطابع المسيحي، كونها من الداعين للانفتاح المسيحي والعمل انطلاقا من التحالفات الوطنية الواسعة لا الفئوية الضيقة.

كما سبق وذكرنا، أعاد كل طرف سياسي التذكير برؤيته ومشروعه للبنان، وكان المرور على الملف الحكومي عابرا مع التركيز على أهمية ممارسة الضغوط لتسريع ​تشكيل الحكومة​، دون أن يتبنى المشاركون مشروع بكركي الداعي لتشكيل حكومة مصغرة من الاختصاصيين.

في سياق متصل، وصف البعض اللقاء او الدعوة بأنها "الردّ المباشر على الحديث عن ​الدولة المدنية​"، مشيرين إلى أن الراعي أخطأ عندما اعتبر الدولة المدنية موجهة ضد المسيحيين، ما دفعه لمحاولة تشكيل جبهة مسيحية، عنوانها "الوطن" وباطنها "الطائفة"، معتبرة أن مثل هذه التجمعات لا يمكن أن تستمر او أن تنجح ببناء وطن، كون التاريخ أثبت سابقا أن التحالفات الوطنية تملك عمرا أطول بكثير من التحالفات الدينية. هذا الأمر تنفيه بكركي جملة وتفصيلا، فهي لطالما أكدت ان دور المسيحيين في لبنان يستمد قوته من التعدد الموجود فيه.

نجح الراعي شكليا في لقاء بكركي، وأثبت أن بإمكانه لعب دور "الجامع" للمسيحيين، ولكن نجاح اللقاء عمليا يحتاج الى الانتظار لبعض الوقت لنرى إن كانت الأقوال ستبقى أقوالا أم تنعكس أفعالا.