في الوقت الذي تنشغل القوى السياسية ال​لبنان​ية بالخلافات الداخليّة التي لا تنتهي، يبرز تحدٍّ جديدٍ على مستوى ​الثروة النفطية​ من الضروري التعامل معه بشكل سريع، يتمثل في الإعلان عن إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، من دون أن تكون ​بيروت​ من أعضائه، بهدف تأسيس منظمة دوليّة تحترم حقوق الأعضاء في مواردهم الطبيعيّة بما يتّفق ومبادئ ‏القانون الدولي.

يضمّ هذا المنتدى، الذي عقد إجتماعاً في القاهرة يوم الاثنين الماضي، 7 دول هي: مصر، ​اسرائيل​، ​فلسطين​، ​الأردن​، ​اليونان​، ​إيطاليا​، قبرص.ومن الواضح أنّمصر ستكون القائد الفعلي له في العلن، لا سيّما أنّ المقر سيكون على أراضيها، إلا أنّ اللافت أن الدول الأعضاء تركت المجال مفتوحاً لدخول أيّ من دول شرقالبحرالمتوسط،المُنتجةأوالمستهلكةللغازأو ‏دولالعبور،بعداستيفاء ‏إجراءات العضوية اللازمة التي يتم الاتفاق عليها بين الدول المؤسّسة.

في الأوساط المصرية، حديث عن أنّ لبنان قد ينضمّ بعد تحقيقه إكتشافات ووضعها على خريطة الإنتاج، إلا أنّ أحد الخبراء في السيّاسات النفطيّة يعتبر، عبر "النشرة"، أن المنتدى يمثل تهديداً خطيراً لمصالح بيروت، خصوصاً أنه يعكس نوعاً من التحالف العميق بين الدول الأعضاء، ويشير إلى أنّ المشكلة الأساس هي إنشاء سوق المشرق للغاز، ما يعني التحكّم في عمليّات البيع والشراء، لا سيما أنّ من بين الأعضاء هناك منتجين ومستهلكين.

من وجهة نظر هذا الخبير، لبنان لا يمكن له الدخول إلى هذا التحالف، نظراً إلى وجود ​إسرائيل​، لكن سيكون عليه الإلتزام بالأسعار التي سيفرضها المنتدى، بينما في حال قرّر عدم الإلتزام قد لا يجد من يشتري، إلا أن هذا لا يلغي وجود خيار آخر يتمثل في السعي إلى إنشاء تحالف مقابل.

في هذا الإطار، يشرح الخبير نفسه أنّ لبنان لو كان من الدول التي تشتري الغاز من مصر، لكان هذا الأمر فرضعلى القاهرة وضعه في صورة ما يحصل، إلا أنه لا يعتبر أن هذا الخطأ هو أساس المشكلة، بل يرى أن هناك من يريد أن تكون بيروت خارج "اللعبة"، ويسأل: "هل هذا المؤتمر هو كامب دايفيد إقتصادي"؟.

نظرة العالم إلى المنتدى؟

لن يكون لبنان وحده المتضرر، بحسب مصادر مطلعة على هذا الملف، بل هناك أكثر من جهة تراقب ما يحصل، وتعتبر المصادر أنه من المفترض أن يكون هناك قراءة إستراتيجية دقيقة للتداعيات.

وتشير هذه المصادر إلى أنه على مستوى العالمي من الواضح أنّ الأوروبي داعم لهذه الخطوة، خصوصاً في ظل عضويّة كل من إيطاليا واليونان، بينما الجانب الروسي لم يعلن موقفاً واضحاً حتى الساعة، مع العلم أن جميع وكالات الأنباء الروسيّة كانت تتابع هذا الحدث بدقّة، وتكشف أنه خلال ندوة حصلت في النرويج، في الصيف الماضي، تحدّث بعض المسؤولين وكأنهم على علم بما كان يحضر على هذا الصعيد، وسأل أحدهم عما إذا كان الهدف منه فرض أسعار على ​موسكو​، خصوصاً أنها تصدّر إلى ​أوروبا​.

وفي حين تلفت المصادر نفسها إلى أنه يمكن وصف الموقف الروسي بـ"التململ" الذي لم يصل إلى مرحلة "الإمتعاض"، تؤكّد أن موسكو لن تتحدث الآن لكنها ستخرج عن صمتها لاحقاً، إلا أنها تشير إلى أن قطر تعتبر أيضاً من أبرز المتضرّرين، مع العلم أن ​الدوحة​ موجودة في قبرص، عبر تحالف للتنقيب والإستكشاف والإنتاج في أحد البلوكات مع الجانب الأميركي.

ماذا يستطيع أن يفعل لبنان؟

على هذا الصعيد، يعود الخبير في السياسات النفطية إلى التأكيد بأنّ لبنان في وضع صعب، إلا أنه يشير إلى أن هذا لا يعني عدم القدرة على تجاوزه عبر بعض الخطوات الضروريّة، منها أخذ المبادرة والحديث مع الجانبين الروسي والقطري، على إعتبار أنّ المنتدى هو ضد مصالحهما، بالإضافة إلى الحديث، بعد فصل الملف الإقتصادي عن السياسي، مع ​سوريا​ وتركيا، بهدف تشكيل قوّة ضاربة أخرى، خصوصاً أن لدى دمشق موارد مؤكدة ضخمة، لكن ماذا عن الخلافات السياسية؟.

يلفت الخبير نفسه إلى أن لبنان كان من الممكن أن يأخذ المبادرة سابقاً للتحالف مع سوريا على هذا الصعيد، الأمر الذي كان سيدفع مصر للإنضمام إلى الثنائي في حين تبقى إسرائيل خارجاً، ويؤكد أن الخلافات السياسيّة لا يجب أن تكون عائقاً، خصوصاً أنه رغم الخلافات الأوروبيّة-الروسيّة هناك تحالف بين برلين وروسيافي هذا الاطار أقوى من التحالف الأوروبي داخل الوحدة.

من هنا، يعتبر هذا الخبير أن نشوء مثل هذا التحالف، بين لبنان و​العراق​ وتركيا وسوريا، سيكون نقطة مفصليّة، ويرى أنه يستطيع الذهاب إلى تحدّي التحالف المقابل، وفتح قنوات إتصال مع شمال قبرص، الأمر الذي سيمثل ضغطاً كبيراً على الجانب القبرصي، ما سيدفعه حكماً إلى التفكير في الإنسحاب من المنتدى الذي تمّ الإعلان عنه في القاهرة.

في المحصّلة، لا يستطيع لبنان، الذي يراهن على الإستفادة من ثروته النفطيّة، تجاهل الواقع المستجدّ بعد الإعلان عن إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، خصوصاً أنّ ​تل أبيب​ هي أبرز أعضائه، وبالتالي عليه المسارعة للبحث عن خارطة طريق تساهم في تجاوز هذا المأزق.