ليس بجديد أن يزور مسؤول أميركي أو ​إيران​ي ​لبنان​، وليس بجديد أن يُطلق مسؤول أميركي أو إيراني مواقف تصبّ في خانة تثبيت مصالح بلاده ودعم المحور المُؤيّد لها، لكن ما حصل في الأيّام القليلة الماضية تميّز بتراشق إعلامي ولوّ غير مباشر بين ​واشنطن​ من جهة، و​طهران​ من جهة أخرى. فهل من فُرصة لإشتداد الكباش الأميركي–الإيراني داخل لبنان، وهل من المُمكن أن يتحوّل إلى صراع دَموي بين محورين؟.

الأكيد أنّ معركة شدّ الحبال الأمنيّة والسياسيّة والإعلاميّة والإقتصاديّة بين ​الولايات المتحدة​ الأميركيّة والجُمهوريّة الإسلاميّة في إيران مفتوحة على مصراعيها في هذه المرحلة. وليس بسرّ أنّ واشنطن تُحاول إعادة تشديد الحصار الذي كان مفروضُا على إيران قبل مرحلة "الإتفاق النووي"(1) في الوقت الذي تُحاول فيه طهران النفاذ من موجة العقوبات ​الجديدة​. والأهمّ أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة تعمل بشكل ناشط على عزل إيران إقليميًا قدر المُستطاع، وعلى تشكيل "لوبي" إقليمي مُناهض لها–إذا جاز التعبير. وكل جولات المسؤولين الأميركيّين في المنطقة خلال السنوات والأشهر الماضيّة ركّزت على تغذية التوتّر بين إيران من جهة ومجموعة من الدول العربيّة والخليجيّة خُصوصًا من جهة أخرى. وأكثر من مرّة تسرّبت معلومات عن جُهود أميركيّة لتشكيل جبهة غير مُعلنة تضمّ العديد من الدول الإقليميّة، لمُواجهة التمدّد الإيراني في المنطقة، والذي يتمّ عسكريًا وسياسيًا عبر دعم لوجستي كبير لمجموعات مُسلّحة غير نظاميّة مُختلفة في أكثر من دولة عربيّة.

لكن وعلى الرغم من هذه المُحاولات المُتكرّرة، وعلى الرغم مِمّا صدر من مواقف في الأيّام الماضية، من جانب كل من سفارتي الولايات المتحدة الأميركيّة وإيران في لبنان، بشأن أهداف زيارة نائب وزير الخارجية الأميركي ​ديفيد هيل​، فإنّ لبنان سيكون بمعزل عن الكباش الأميركي–الإيراني في المنطقة، لأسباب عدّة، أبرزها:

أوّلاً: عدم التكافؤ بين الفريق اللبناني المُنضوي كليًا في المشروع الإيراني للمنطقة من جهة، والفريق اللبناني المُقرّب من الولايات المتحدة الأميركيّة من جهة أخرى، وذلك على مُختلف المُستويات.

ثانيًا: عدم رغبة الأفرقاء الذين يُشكّلون الفريق المُقرّب من واشنطن، بالدخول أصلاً بأيّ صراع في لبنان حاليًا، لا مع المحور الإيراني ولا مع سواه، بسبب مجموعة من الأسباب، ومنها سلسلة من الخيبات المُتتالية من ​السياسة​ الأميركيّة المُتقلّبة وغير الفاعلة في ​الشرق الأوسط​.

ثالثًا: تعامل العديد من المسؤولين اللبنانيّين بشكل شبه مُحايد مع الكباش الأميركي–الإيراني، في ظلّ حرص لبنان الرسمي على التمسّك ب​سياسة النأي بالنفس​ عن مشاكل المنطقة، وفي ظلّ تصرّف ​قيادة الجيش اللبناني​ بحكمة ودراية، لجهة المُوازنة بين الإستفادة من المُساعدات العسكريّة الأميركيّة للجيش من جهة، وتثبيت العقيدة المُعادية ل​إسرائيل​ من جهة أخرى، مع حصر مُهمّة الجيش بالحفاظ على الإستقرار الداخلي، وتأمين الحدود الدوليّة.

ويُمكن القول بالتالي، إنّ التراشق الأميركي–الإيرانيّ على أرض لبنان، والذي تظهّر أخيرًا بشكل واضح إعلاميًا خلال زيارة هيل، لن يتطوّر أكثر من ذلك، للأسباب المَذكورة أعلاه. لكن هذا الأمر لا يعني أبدًا أنّ لبنان سيبقى بمعزل عن المخاطر الإقليميّة إلى ما لا نهاية. فالمَطلب الإسرائيلي بضرورة إنسحاب إيران من سُوريا، وردّ هذه الأخيرة بأنّها باقية هناك، يعني أنّ المنطقة ستبقى تسير بين ​الألغام​، إلى حين إتضاح صُورة التسوية النهائيّة في ​سوريا​. وكل الخروقات والإستفزازات الإسرائيليّة بوجه لبنان الجويّة أو البحريّة أو الحدوديّة، تهدف عمدًا إلى إبقاء أجواء التوتّر قائمة، حيث تسعى "​تل أبيب​" إلى تسليط ​الضوء​ على المخاطر المُتأتيّة من أنشطة "​حزب الله​" جنوبًا، بالتوازي مع شنّ غارات وضربات جويّة في سوريا بين الحين والآخر، لتسليط الضوء على المخاطر المُتأتّية من الأنشطة الإيرانية هناك.

وبالتالي، قد يكون لبنان قادرًا على رفض الدُخول في أيّ صراع بين إيران والولايات المتحدة الأميركيّة، وربما قد يكون لبنان قادرًا على عزل نفسه إلى حدّ ما عن الصراع بين المحور بقيادة إيران والمحور المناهض لها بقيادة السُعوديّة، لكنّه سيكون عاجزًا عن عزل نفسه عن أيّ صراع دمويّ إقليمي، في حال قرّرت إسرائيل–وبغطاء أميركي، ضرب إيران في سوريا بشكل أوسع وأشمل ممّا يحصل حاليًا، أو في حال قرّرت إيران وحلفاؤها توجيه رسالة أمنيّة تحذيريّة لإسرائيل ردّا على غاراتها وضرباتها المُتكرّرة في الداخل السُوري.

(1) نصّ الإتفاق المذكور الذي وُقّع في العام 2015 بعد مُفاوضات شاقة إستمرّت 18 شهرًا، على رفع العُقوبات الأميركيّة والغربيّة عن إيران بمجرّد تحقق الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة من إلتزام طهران بوقف برنامجها النووي.