كان لبنان يتوقّع ان يحضر ٨ رؤساء دول عربيّة الى القمّة الاقتصاديّة التنمويّة، إضافة الى وفود رفيعة المستوى بحجم رؤساء مجالس وزاريّة. وحده رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​، قرأ في خفايا المرحلة الحالية، وتمنى إرجاء انعقاد القمّة الى ما بعد آذار المقبل، موعد انعقاد اجتماعات قمة ​الدول العربية​ في تونس. لم يكن طرح بري يتعلق بدعوة ​ليبيا​، ولا بحسابات داخليّة محليّة. بل كان ينبع من معرفته ان الوقت الحالي عربيا، هو وقت ضائع، بإنتظار أن تبلور الدول العربية، وخصوصا الفاعلة منها، اتجاهات واضحة بشأن سوريا. كانت تلك الدول، وتحديدا الخليجيّة، باشرت تنفيذ سياسيات جديدة تجاه دمشق، تجلّت بإعادة العلاقات الدبلوماسيّة مع سوريا، وفتح السفارات التي تمّ اقفالها خلال سنوات الازمة، لكن النزاع السياسي في واشنطن بين تياري "المؤسسة العميقة" و​البيت الأبيض​، فرمل الاندفاعة الخليجيّة العربيّة نحو سوريا موقتاً. علما ان المعلومات تتحدث عن تواصل سعودي-سوري، كان بدأ منذ شهر تموز الماضي، وبلغ مرحلة متقدمة في صياغة مشروع إتفاق يترقب الوقت المناسب للإعلان عنه بهدف نجاحه. وبالفعل، كانت هناك نيّة سعوديّة لإعادة فتح سفارة المملكة في دمشق، لكن الاميركيين ضغطوا على الرياض لتأجيل الخطوة، وعدم اتخاذ قرار بعودة سوريا الى حضن جامعة الدول العربيّة. ان ذاك السباق الأميركي بين التيّارين المذكورين، ترجمته زيارات سريعة الى الدول العربيّة، بهدف تحشيد العرب ضد ايران وحلفائها، وعدم الانفتاح على دمشق في حال بقيت ترتبط بعلاقات وثيقة جدا مع طهران.

لذلك، تريّث حكّام ورؤساء الدول العربيّة في المشاركة بأيّ فعاليّة أو اتخاذ قرارات في فترة مربكة، هي أشبه بالوقت الضائع، بإنتظار انتهاء تفاوض قائم ومفتوح على خطوط: موسكو وواشنطن وطهران وانقره.

لكن الأميركيين، وتحديدا "الدولة العميقة" يريدون ان تقدّم ايران تنازلات، بدءا من سحب يدها من سوريا، مرورا بسحب "أذرعها" من ملفات المنطقة، وتحديدا إجهاض قدرات "​حزب الله​" التي تقلق ال​اسرائيل​يين.

وعندما حضر المسؤول في الخارجية الأميركيّة ​ديفيد هيل​ الى بيروت، وهو من أشد المحسوبين لحكم "الدولة العميقة" شدد على عنوان اساسي: محاربة السيّاسة الايرانيّة في المنطقة، وضرب نفوذ "حزب الله"، وعدم السماح بأن يكون له الثقل في ​الحكومة اللبنانية​ العتيدة.

بالنسبة الى الأميركيين، فإن ذلك يستوجب: ترسيم الحدود اللبنانيّة الجنوبيّة في البرّ لا في البحر، وهو امر لم يوافق عليه برّي الذي اشترط أن يكون الترسيم في البرّ والبحر، لعدم السماح لاسرائيل بالارتياح براً، وازعاج لبنان بحراً، بسرقة ثرواته الطبيعية من ​الغاز​ والنفط.

أما الحديث عن ان الاميركيين ضغطوا لأن تفشل قمّة بيروت، ومنعوا الرؤساء العرب من الحضور الى لبنان، فهو أمر منطقي، لكنّ التدقيق البسيط يعني الاّ مكان له: سوريا غائبة، ولا يوجد حلفاء لايران، ولا طروحات تفيد حلفاء طهران بشيء من خلال القمّة. ان عدم الحضور الرئاسي، هو ليس مقاطعة، ولا بسبب الاعتراض على حضور ليبيا، ولا هو خوف من قرارات عربيّة ليست لصالح الغرب او تزعج الأميركيين. ان كل الأمر يتعلّق بحسابات عربيّة صرفة في فترة تترقب فيها العواصم العربيّة المسارات السياسيّة التي ستتظهّر خلال قمة تونس.

لذلك، جاء الحضور العربي خجولا، الى حدّ وصف القمّة بالهزيلة. فكان الأجدى تأجيلها، وعدم المكابرة التي ترتبط بحسابات داخليّة لبنانيّة، لا تهتمّ لها العواصم لا العربيّة ولا الغربيّة. اما وقد حصل ما لم يكن لبنانيا في الحسبان الا في منظار ​عين التينة​، فإن اللبنانيين مدعوون بعدها الى مصارحة تعزّز المصالحات السياسيّة، والضغط لتوليد الحكومة، اذا لم يكن ايضا لبنان دخل في مرحلة الترقّب والانتظار. عندها صارت ولادة الحكومة مؤجلة ايضا لما بعد قمة تونس. فهل يتحمّل لبنان؟.