لم تكن هفوة من رئيس ​الحكومة​ المكلف ​سعد الحريري​ قوله مؤخرا ان "التقارب بين المستقبل و​التيار الوطني الحر​ مجنّن كتير ناس"، اذ تقصّد على ما يبدو اللعب على خطوط التوتّر العالي بين ​قصر بعبدا​ و​عين التينة​، فجاءه الجواب مباشرة من المكتب الاعلامي لرئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​، رغم عدم تضمين "لطشته" اي اشارة مباشرة باتجاه الرئاسة الثانية.

وقد تراجعت حرارة العلاقة بين الحريري وبري في الاشهر والسنوات الماضية لتتحول الى البرودة المطلقة، فكلما كان رئيس "المستقبل" يتقرب من ​رئيس الجمهورية​ ورئيس "الوطني الحر"، كان رئيس حركة "أمل" يبتعد عنه تلقائيا، وصولا للمرحلة الحالية التي بات فيها حلف الحريري–باسيل الأقوى والأمتن بمواجهة كل التحالفات الأخرى.

وبدأ هذا الحلف يترسخ وينضج ويتظهر في العمل الحكومي حيث كان الطرفان، في معظم الأحيان يتخذان مواقف موحدة من الملفات الساخنة وأبرزها ملف الكهرباء، حتى ولو استدعى ذلك دخولهما بكباش مباشر مع كل القوى الأخرى، وهذا ما حصل فعليا. فابتعد الحريري الى حد بعيد عن تحالفه الاستراتيجي مع بري كما مع "​القوات اللبنانية​" والحزب "التقدمي الاشتراكي" وجعل منهم تحالفات ثانوية، ليتفرغ لتقوية وتفعيل حلفه مع رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ والوزير باسيل.

ولا يعني الحرص الثنائي العون –المستقبلي على تحصين هذا الحلف، عدم مرور العلاقة بينهما في محطات معينة في "مد وجزر"، وقد تجلى ذلك في الانتقادات اللاذعة التي وجهها قياديون عونيون للحريري بـ"الانصياع لتعلميات خارجية" في عملية ​تشكيل الحكومة​، ما أدى لتبنيه الطروحات القواتية في فترة من الفترات قبل التوصل الى تفاهم قضى باعطاء "القوات" 4 وزارات. أضف الى ذلك دفع "التيار الوطني الحر" باتجاه اعتماد معيار واحد لتأليف الحكومة، وهو ما لم يلتزم به رئيس الحكومة المكلف، ما أصاب العلاقة بينهما بنوع من التوتر الذي ظل مضبوطا.

واذا كان الهدف "المستقبليّ" من التقارب مع العونيين تأمين مصلحة الحريري بعدما خذله كل حلفائه السابقين حين اضطر الى تقديم استقالته ومن ثم العودة عنها، يبدو الهدف العوني أبعد من الحلف الثنائي، ففكرة التقارب مع "المستقبل" انطلقت أصلا بناء على ​سياسة​ جديدة انتهجتها قيادة "الوطني الحر"، تقضي بمحاولة فتح صفحة جديدة مع كل الفرقاء بمسعى للوصول الى صفر أعداء وأخصام ما يؤمّن، برأي ​القيادة​، أبرز مقومات نجاح العهد. لكن هذه ​السياسة​ نجحت مع "المستقبل" وفشلت مع الآخرين. فهي لم تصمد مع "القوات" وسقطت في مهدها مع بري وجنبلاط. وفي هذا الاطار، تؤكد مصادر نيابية أن الثنائية المسيحية–السنية المتثملة حاليا بثنائية الوطني الحر–المستقبل لا تأتي على حساب باقي الثنائيات وبخاصة ثنائية التيار–​حزب الله​ أو غيرها، بل هي مكمّلة لها، لافتة الى انّ المسيحيين ليسوا بقادرين على فرض وجودهم عدديا أو بعضلاتهم، وانما هم يسعون الى ذلك من خلال دورهم كصلة وصل بين مختلف الفرقاء، ما يجعلهم مع مرور الأيام والسنوات حاجة وضرورة وطنية.

الا أن ما يتمنّاه "الوطني الحر" شيء وما يحصل فعليا بمكان آخر. فاتفاقه مع "المستقبل" لم يأت ليتوج تفاهماته مع باقي الفرقاء، بل ليرسخ الانقسام الحادّ. فبات حاليا بمواجهة مفتوحة مع الكل حتى مع أقرب حلفائه في المرحلة الماضية، أيّ حزب الله، والذي تدهورت العلاقة معه على خلفيّة الملف الحكومي وبالتحديد بعد اصرار الحزب على تمثيل حلفائه ​السنة​، ما جعل البعض من القياديين العونيين يتحدثون صراحة عن "تعليمات خارجيّة" تعيق عملية التشكيل.

ولا يتردد عونيون بالحديث عن "حرب كونية" تشن ضدّهم لاضعاف واسقاط العهد، وهو ما يردّه أخصامهم من السياسيين على أنه من اللعبة والمنافسة السياسيّة. لكن وكما يبدو فان "التيار" ورئيس الجمهورية لن يرضخا طويلا لشروط هذه اللعبة، وهما أعدّا العدّة للقيام بخطوات جديدة للدفع باتجاه تشكيل الحكومة، على ان تتظهّر ملامح هذه الخطوات منتصف هذا الأسبوع.

فهل ستكون الخطط العونيّة ​الجديدة​ مجدية مع تحوّل انعدام الثقة بين المكونات اللبنانية الى عداء مطلق؟ وأي منطق هذا يقول بهدم الهيكل على رؤوس الجميع لضمان عدم اكتساب أحد امتياز ترميمه!؟.