اشارت صحيفة "الوطن" السورية، الى انهم "يقولونَ إنّ الضربَ بالميتِ حرام، وعندما نتحدث عما يسمونهُ "العمل العربي المشترك" فإننا هنا لا نتحدث عن ميِّت، بل أموات في مدفنِ سيدهم الأميركي يبثُّ فيهم الروح ساعةَ يشاء. هكذا فشِلت القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية بدورتها الرابعة في بيروت قبلَ أن تبدأ، ولنعترِف هنا أن ربطَ فشل القمة فقط بعدمِ التوافق على عودةِ ​سوريا​ إلى الجامعة من عدمهِ هو نوعٌ من النرجسيةِ المفرِطة، ومن يدقّق في الكلمات الافتتاحية لاجتماع وزراء الخارجية التحضيري يعي تماماً أن القضية عنوانَها دمشق، أما المحتوى فهو ضياعٌ يُضافُ إلى عقودٍ من الضياع، تحديداً إذا ما كان أعداؤنا يهيمنون على النظام الرسمي العربي الذي يحقق لهم عنوانهم العريض: ممنوعٌ على هذهِ الأمة أن تنهض، ممنوعٌ عليها أن تقرِّر.

اضافت الصحيفة السورية "نبدأ من كلامِ وزير الخارجية ال​لبنان​ي ​جبران باسيل​ الذي أكدَ عن غيرِ قصدٍ أن سبب عزوف الزعماء العرب عن الحضور هو قرار أميركي بحت، تماماً كما هو قرار استبعاد سوريا ورفضَ عودتها، لكن مهلاً ماذا عن التسريبات التي نشرتها صحيفةٌ لبنانية تؤكد فيهِ أن وزارة الخارجية اللبنانية استشارت ​وزارة الخارجية الأميركية​ بما يتعلق بالموقف من دعوة سوريا إلى القمة الاقتصادية والموقف الأميركي من مشاركة لبنان في إعادة الإعمار؟ ثم من قال إن سوريا إن لم تكن في "حضنِ العرب" حسب تعبيرهِ فهي ستسقط في "حضن الإرهاب"؟ لماذا لم يسقط لبنان في "حضن ال​إسرائيل​ي"؟ مع العلم أن لبنان وصلَ إلى مرحلةٍ وجدَ فيها نفسه أمام رئيس للجمهورية وقعَ اتفاق الخنوع والإذلال مع العدو الصهيوني، واليوم يجد في بنيته أحزاباً يتغنَّون بنظرية "ليس لدينا مشكلة مع إسرائيل"، وبمعنى آخر: لا يمكن لوطنٍ أن يسقط في حضنِ العدو أياً كان هذا العدو، ما دام فيهِ مقاوم، بل إنه من الواضح أن السقوط بحضن الإرهاب حالياً يحدث عندما يتمتع رعاة الإرهاب في هذا البلد أو ذاك بنفوذٍ ما.

وتابعت "أما أمينَ جامعتهِ العربية ​أحمد أبو الغيط​، صاحبَ نظريةِ "تكسير أقدام الفلسطينيين إن تجاوزوا معبر رفح" عندما كان وزيراً لخارجية "الشقيقة الكبرى"، فإنه حاولَ أن يستنهضَ هِممنا فذكَّرنا بأن هذه القمة "تنعقد في توقيتٍ بالغِ الأهمية"، لكن مهلاً منذ متى والقمم العربية تنعقِد أساساً بتوقيتٍ عادي لدراسةِ مقترحاتِ البحبوحة الاقتصادية والرخاء الذي يلف الشعوب العربية؟ نكاد نجزُم بأن هذهِ العبارة تتكرر مع انعقادِ كلّ القمم العربية من دونِ استثناء، وتأكيد أهميةِ التوقيت الذي تنعقد فيهِ ليس نابعاً من أهميةِ الوقت عندنا كعربٍ أو أهميته في استشرافِ أخطار المستقبل، لكنهُ ببساطةٍ نتيجةٌ منطقية لحجم الكوارث والمصائب والخراب والدمار الذي يعيشهُ الإنسان العربي بمختلف التواقيت، عندها يصبح كل اجتماعٍ ذا أهميةٍ لأنهُ حُكماً مرتبطٌ بكارثةٍ ما، وهل من كارثةٍ أكبر من أن يخاف أحمد أبو الغيط من قيام السوريين بتسريب محاضرَ اجتماعات القمم العربية لل​إيران​يين إذا ما عادوا إلى ​الجامعة العربية​، فيما صورة أبو الغيط وهو يمسِك بيد وزيرة خارجية العدو الإسرائيلي السابقة، ​تسيبي ليفني​ كمن يدعوها لـ"رقصة فالس" على جثث الفلسطينيين لا تزال عالقة في أذهاننا. اضافت "نحن هنا لسنا أمامَ كلامٍ عابر، علينا أن نقرأه ونرحل، هذا الكلام يعني اعترافاً رسمياً من رأس الجامعة العربية أن الكيان الصهيوني ليس عدواً، وأن العدو إيران".

ربما أنّ من محاسنِ الحرب على سوريا، إن كان للحربِ من محاسن، أنها أخرجتها من الجامعةِ العربية، فما يجري اليوم لا نستطيع فقط أن نُعيدَ بوصفهِ العبارة المُملة "عرّى النظام الرسمي العربي"، لكنه ببساطةٍ انتقل بنا إلى ما هوَ أسوأ أي "الموت السريري للنظام الرسمي العربي"، هذا الموت لا ينفع معهُ أبداً العلاج لأنه موتٌ أُريد له أن يكون على طريقة قتل الدماغ والإبقاء على الجسد، لما لا إذا كانَ أصحاب غرفةِ الإنعاش سيجنونَ الأموال الطائلة وهم ينقلون هذا الجسد من سريرٍ إلى سرير حسب الحاجة، فمن سريرِ الحرب على سورية، إلى سريرِ منع المشاركةِ في إعادةِ إعمارها وصولاً إلى تعويمِ مصطلح الصراع العربي الإيراني بدلاً من الصراع العربي الإسرائيلي، والذي قد يتجسّد رسمياً بدعوةِ الأميركي أيتامهُ للاستعراض من جديدٍ في قمة للسلام في الشرقِ الأوسط وعنوانها العريض: مواجهة الخطر الإيراني، فكيف ذلك؟

وتابعت "في الخلاصة: إنّ كل ما تمَ سرده سابقاً ليسَ "تحليلاً" للأحداث بقدرِ ما هو توصيف لها، الفكرة من هذا التوصيف هي: هل حقاً أن هناك من لا يزال يفكر باجتماعاتِ الجامعة العربية أو حتى العمل العربي المشترك؟ لا نعرف من الذي ورَّط لبنان بهذه القمة، وبمعنى آخر: هل يتحمَّل لبنان الذي نحب وهو المنقسم أساساً على انقساماتهِ، أن يتم وضعهُ هكذا في وجهِ مدفعِ التجاذبات الدولية، لكن ما نعرفهُ تماماً أن هناك عناوين رئيسية مثل "القمم العربية"، "الأمن القومي العربي"، "التخطيط لمستقبل العرب الاقتصادي" جميعها أفكار تندرج تحت عنوانٍ واحد: الضرب بالميت حرام، كيف لا والأموات يتم استحضارهم فقط.. ليتآمر بعضهم على بعض؟