لِمئة سنة على التوالي وأكثر، يُصلّي المسيحيّون المُتنازعون على ثوب المسيح وسُلطته وعقيدته المُستَقيمة، لتتحقّق الوحدة المنشودة ما بين كنائسهم، فيكون الجميع مع الجميع، "على وِئامٍ تامّ في روحٍ واحِدٍ وفكرِ واحِد"(1قور1: 10).

يتداعى الرؤساء الرّوحيّون المسيحيّون مع كنائسهم في أسبوع وحدة الكنائس، ليُصَلّوا من أجل وحدتهم. وفي صلاتهم يَشتكون على ذواتِهم مُقرّين بذنوبِهم. يقولون للرب: "نحن أخطأنا وأسأنا إلى بعضنا البعض، وكنّا غير أمينين وغير صادقين، ومُشَكّكين، وعاصين للطّاعة لإرادتك"... يُدرِكون إدراكاً جيّداً بأنّهم مُخلّون بإرادة سيّدهم الذي أرادهم واحِداً في المحبّة، كما هو "والآب واحد" (يو10: 30)، ومع ذلِك يَبقون على عنادهم وعدائيّتهم، مُختبئين في جُبَبهم السّوداء الفضفاضة. يجتمعون تحت عنوان الوِحدة، ويسألون الربّ أن يُحقّقها "بالسّبل التي يُريدها"، ويتمترسون، في عَين الوقت، وراء موروثاتهم الدينيّة والعقائديّة والسياسيّة، التي تمنع روح الربّ من الإختراق وإحداث أعجوبة التلاقي.

يتداعى المسيحيّون إلى الصّلاة من أجل وحدتهم، فيُمسرِحون الصّلاة، وبعدها يَميل كُلُّ واحِدٍ إلى طريقه، وكأنَّ شيئاً لَم يَكُن، على أمل مَسَرحَة أُخرى بعد سنة شمسيّة كاملة، تَعرِض فيها كُلّ كنيسة عضلاتها الرّوحية بروح التّعالي. يقولون، نحن نُصَلّي... يُصَلّون منذ أكثر من مئة عام، من أجل وِحدَتِهم، ولَم يَتّحِدوا بَعد؛ فإن كانت مئة عامٍ غير كافية لوحدة الكنائس، فمعنى ذلِك أنّ المجتمعين يَدّعون ​الصلاة​، ولا يُصَلّون. فلو كانوا يُصَلّون حقيقةً، لَوَجدوا وحدتهم الضائعة في كياناتهم المُختلِفة والمُقَسِمة، لأنّ مَن يقرَع بإيمان يُستجاب ويُفتَح له(متى7: 7).

ينتظر رؤساء الكنائس، أعجوبة من السّماء توحّدهم، وينسون أو يتناسون، بأن الإعجوبة هي ثمرة التقاء إرادة الإنسان بإرادة الله؛ الله يُريد، فهل نُريد ما يُريده الله لنا؟ جميلٌ هو القَول القائل: "أنَّ لله رِجالاً إن هُم أرادوا، أراد". نَعَم، إن أردنا الوحدة من كلّ قلوبنا، سننالها، لأنّ الله لا يترك نفساً تائقة إلى الخير، من دون أن يُحقّق خيرها.

يا أيّها الذين يتقلّدون مقاليد السّلطة المقدّسة، ما الذي يمنعكم من الإتحاد بالرّوح؟ سأجرؤ عليكم، أيّها المجتمعون للصّلاة على غير ودّ والمفترقون على غير ودّ، جُرأة بولس الذي وبّخ بطرس في أمر الكذب والمواربة(غل2: 11-14)، لأقول: إنّها المواربة والنّفاق، والغطرسَة والأنانيّة، مُضافٌ إليها تلك الموروثات التاريخيّة الثّقيلة التي لا زالت، منذ القرون الوسطى، إلى الآن تتحكّم بِرقاب العِباد، وتُرَحَّل إلى الأجيال الصّاعدة، فيَحذَون حَذو آبائهم وأجدادهم في التّباغض والتّباعد، والتمترس وراء قناعاتٍ باليةٍ خَلخَلت الوئام الكنسيّ وزرعت البلايا والإنقسام!.

ما ذنبنا نحن، إن أكل آباؤنا الحصرم؟ ولِماذا يجدر بِنا أن نضرس(إر31: 29)، وأن نتحَمّل تَبِعات أفعالِهم الشّائنة. هُم أكلوا الحصرم، فليضرسوا هُم، لا نحن. متى نَعي هذه الحقيقة؟ ولماذا لا زلنا إلى الآن، مُصرّين على أن نَحمل ونُحَمَّل وِزراً ليس لنا، ولَم يكن لنا فيه قَول أو رأي؟ لِماذا نُعاقِبُ أنفسنا وأبناءنا وبناتنا، على ذنبٍ فعله غيرنا، وعلى جرمٍ لَم نقترِفه؟! ولماذا يجدر بنا، نحن الذين بالكاد، نَحمِل أثقالنا، أن نَحمل ونُحَمَّل أثقالاً مع أثقالنا، تُرهِقنا وتشلّ حركة حُبّنا وفكرنا وحياتنا ومسيرتنا إلى الله الآب؟.

اختلفنا، ولا زِلنا، على عقيدة المسيح وفكره وكلِمته، وعلى الأبجدية والحروف التي تُحاول أن تَفقَه وتُفقّه طبيعة الله، وعلى اللغة والطقوس واللباس، والموسيقى والفنّ. واختلفنا على أعيادِنا وتوقيتها؛ فقالوا وقُلنا... وعَيّدوا وعيّدنا... فالمسيح وُلِد لا في هذا الشهر أو ذاك، ومات لا في هذا الشّهر أو ذاك، بل وُلِد في الزّمن وماتَ في الزّمَن، لتَكونَ ولادته وموته وقيامته دائِمين في زمَن الإنسان التائِق إلى الخلاص.

فيا سادتنا، إرحموا عِباد الأرض واجتمِعوا على كلمة محبّة سواء، توَحّدكم وتوحِدّ كنيسة الله تحت راية الإيمان الواحد، وفِكر المسيح الواحد(1قور2: 16)، فيجلس الجميع على مائدة واحدة، يأكلون خُبزاُ واحداً، ويشربون خمرةً واحِدةً. مائدة الخلاص التي تجمعنا كلّنا حول الحَمَل الذّبيح، ​يسوع المسيح​، الذي سفك دمه على الصليب حُبّاً بنا، والذي به وحده، وحدتنا وخلاصنا.