في الظاهر، انتهت "الحرب" بين "​حركة أمل​" و"​التيار الوطني الحر​"، بشكليها الافتراضي والميداني، مع إسدال القمّة العربيّة التنمويّة آخر فصولها، باعتبار أنّ الجانبين متوافقان ضمنياً على ضرورة طيّ صفحة القمّة، وما ولّدته من انقساماتٍ وتجاذباتٍ، لصالح معالجة الاستحقاقات المتراكمة، وفي مقدّمها استحقاق تأليف ​الحكومة​، التي باتت على عتبة شهرها التاسع من دون مؤشّرات ولادة جدية.

لكن، أبعد من الظاهر، لا يخفى على أحد أنّ "اشتباك" الجانبيْن مستمرٌ عملياً، ولو من خلف الكواليس، ليس لكون النفوس مشحونة فحسب، بل لاستعادة كلّ من الطرفين زمن ما قبل ​الانتخابات الرئاسية​، خصوصاً أنّ ثمّة في "التيار الوطني الحر" من يعتقد أنّ رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ عاد ليقود "معارضة العهد" من الناحية العمليّة، بعد "هدنة نسبيّة" طويلة سادت بين الجانبين.

وإذا كانت عبارتا "سقطت ورقة التينة" و"​سفينة​ ​بعبدا​ تغرق" اللتان اجتاحتا منصّات وسائل التواصل خلال عطلة نهاية الأسبوع خير دليل على ذلك، فإنّ المفارقة التي توقف عندها كثيرون تمثّلت في إدخال رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ على الخط، ما يدفع إلى التساؤل عمّا إذا كان الأخير بات "ضحيّة" سجالٍ لا ناقة له فيه ولا جمل...

أداء غير مبرَّر؟!

على الرغم من انتهاء القمّة العربيّة التنموية بأقلّ الأضرار الممكنة، أو "بالتي هي أحسن" كما يحلو للبعض القول، خصوصاً بعد حضور ​أمير قطر​ الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وإنقاذه ما أمكن إنقاذه من "ماء الوجه"، لا يزال "التيار الوطني الحر" عاجزاً عن استيعاب "الصدمة السلبية" التي أحدثها رئيس مجلس النواب على خطّ القمّة، التي كان يفترض أنّ نجاحها "مصلحة" لكلّ رجال الدولة في ​لبنان​، وبري على رأسهم.

وإذا كان "التيّار" يتفهّم موقف بري الذي كان رافضاً لفكرة عقد قمّة في لبنان من دون مشاركة ​سوريا​ فيها، علماً أنّه يعتبر أنّ كلّ "الضجيج" الذي حصل حول مشاركة ​ليبيا​ في القمّة كان غطاءً لهذا الموقف لا أكثر، فإنّه لا يرى أيّ "مبرّر" لذهاب بري بعيداً في موقفه إلى حدّ مقاطعة القمة، سواء بذرائع سياسية أو بروتوكولية، خصوصاً أنّ بري أوقع ​الدولة اللبنانية​ برمّتها في موقفٍ حرجٍ مع ضيوفها، بروتوكولياً بالحدّ الأدنى، مع اضطرار رئيس الحكومة المكلف استقبال رئيس مجلس الأمّة الجزائري عبد القادر بن صالح على سبيل المثال لا الحصر، بدلاً من أن يفعل ذلك نظيره، وفق ما درجت عليه الأعراف الدبلوماسية بين الدول.

من هنا، يرى "التيار" أنّه كان على بري أن يتخطى "الحساسيّات" التي أفرزها الانقسام في مقاربة القمّة والمأمول لبنانياً منها، بدلاً من العمل على تكريس "هزالة" كان رئيس البرلمان حذّر منها سلفاً، ولو لم تكن لصالحه بتاتاً، علماً أنّ "العونيّين" يلاحظون أنّ ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ ووزير الخارجية ​جبران باسيل​ نجحا في قلب المعادلة إلى حدّ بعيد، سواء من خلال فرض حضور سوريا بغيابها، أكثر من كلّ الدول العربيّة التي قاطعت طوعاً وبملء إرادتها، أو من خلال إعطاء ملفّ ​النازحين السوريين​ حيّزاً أساسياً ومهماً، بعد محاولات "تسطيحه" وإلغائه، باعتباره "سياسياً" بالدرجة الأولى.

إلى الحكومة دُر...

بالنسبة إلى "حركة أمل" في المقابل، فإنّ صفحة القمّة قد طويت مع انتهائها، ولا طائل اليوم من إعادة ​النقاش​ بحيثياتها وخلفياتها وكواليسها، باعتبارها لم تعد تغني أو تسمن من جوع، علماً أنّ مقرّبين منها يؤكدون أنّ موقف بري الذي دعا منذ البدء إلى تأجيل القمّة، والذي لاقى أصداء مؤيّدة، لم يكن الهدف منه إصابة "العهد" بأيّ "شظايا" كما حاول البعض تصوير الأمر، بل على العكس من ذلك، إنقاذه من أيّ "فشل غير محسوب" سيُسجَّل عليه، وهو ما حصل إلى حدّ بعيد.

وإذا كان ما نُقِل عن بري لجهة "ثنائه" على موقف وزير الخارجية في ختام القمة، خصوصاً في ما يتعلق بمسألة تغييب الإمام ​موسى الصدر​، يصبّ في خانة "طيّ الصفحة"، فإنّ ثمّة من يخشى أن ينعكس "الاشتباك" على ملفّ الحكومة، بما يزيد من "التعقيدات" التي تئنّ أصلاً تحتها، بعد مرور زهاء تسعة أشهر من دون ولادتها، بعيداً عن "التسريبات" التي لم تعد كافية حول أنّ "الحسم" بات قريباً، خصوصاً بعد إعلان المدير العام للأمن العام ​اللواء عباس إبراهيم​ أنه لم يعد معنياً بالوساطة الحكوميّة قبل أيام، ما اعتبره كثيرون مؤشراً سلبياً ومقلقاً إلى حدّ بعيد.

وإذا كان متوقّعاً أن يعود رئيس مجلس النواب إلى "تشبّثه" بأن يأتي حلّ العقدة المتبقية أمام الحكومة من كيس رئيس الجمهورية و"التيار الوطني الحر"، وهو ما بات كثيرون يعتبرون أنّ خلفيّته الحقيقية تكمن في "فيتو" على حصول فريق الرئيس على الثلث المعطّل في الحكومة، فإنّ هناك من يقول إنّ رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لم يعد "بمنأى" عن الصراع، خصوصاً أنّ موقفه "المتضامن" إلى حدّ بعيد مع عون وباسيل، في مرحلة القمّة، لم ينزل برداً وسلاماً على بري، علماً أنّ ثمّة من عاد إلى "نغمة" الضغط على الحريري، وصولاً إلى دفعه للاعتذار في حال عدم نجاحه في حسم الملف الحكومي خلال مهلة قد لا تتخطى هذا الأسبوع، خصوصاً أنّ المماطلة لم تعد تجدي.

"ظالماً أم مظلوماً"؟!

لعلّ أكثر ما أثار "امتعاض" بري في الأيام الماضية كان كلام الحريري في أحد الاجتماعات التحضيرية للقمّة، حين قال إنّ التلاقي بين "المستقبل" و"الوطني الحر" بات "يجنّن البعض" في غمزٍ من قناته، ولو على طريقة الدعابة والمزاح. ومع أنّ بري سارع إلى الردّ على هذا الكلام، نافياً أيّ صحّةٍ له، فإنّه لا يرى أنّه كان موفّقاً من رئيس الحكومة الذي سبق لبري أن أعلن وقوفه إلى جانبه "ظالماً أم مظلوماً"، بل ذهب إلى حدّ رفض أيّ اجتهادات أو فتاوى للضغط عليه ودفعه إلى الاعتذار، تحت طائلة استبداله.

يقود ذلك إلى التساؤل عمّا إذا كان الحريري سقط "ضحيّة" الاشتباك المستمرّ بين "أمل" و"الوطني الحر"، هو الذي لم يعد قادراً على "إرضاء" الطرفين في الوقت نفسه، فأيّ موقفٍ يصدر عنه يصبّ في صالح أحدهما، يمكن أن "ينقلب" عليه من دون أن يحتسب. وإذا كان ثمّة من يذكّر الحريري اليوم، بأنّ بري كان من تصدّى سابقاً لرغبة عون بتوجيه رسالة إلى مجلس النواب "تشكو" التأخير في التأليف، فإنّ هناك من يسأل، هل انقلبت الآية اليوم؟ وأيّ تداعياتٍ متوقّعة لذلك؟!.