طرح الكثيرون الأسئلة حول طبيعة العلاقات الروسية ـ «الإسرائيلية»، لا سيما على ضوء تكرار العدوان الصهيوني على سورية والذي شهد تصعيداً كبيراً في نسخته الأخيرة، ليل الأحد ـ الاثنين الماضي، عندما أقدمت الطائرات الحربية المعادية، من سماء ​فلسطين​ و​الجولان​ المحتلين ولبنان، على قصف مواقع قرب دمشق ومطارها وفي جنوب سورية بعشرات الصواريخ في محاولة يائسة لتوجيه ضربات مؤلمة وموجعة لسورية وحلفائها في محور المقاومة، وردّ الاعتبار لقوة الردع الصهيونية التي تعاني من التآكل المتزايد بفعل تنامي القدرات الردعية للجيش السوري التي منعت الطيران الحربي الصهيوني من التمادي في خرق الأجواء السورية والاضطرار إلى الإقدام على تنفيذ اعتداءاته من سماء الأراضي المحتلة والأجواء اللبنانية.. وذهب البعض إلى التشكيك بالموقف الروسي واتهام موسكو بالتواطؤ مع حكومة العدو الصهيوني بالسماح لها في مواصلة اعتداءاتها على سورية، وصولاً إلى منع سورية من استخدام منظومة «أس 300» في التصدي للطائرات الصهيونية وإسقاطها…

لكن ما هي حقيقة الأمر.. وهل فعلاً كما يروّج ويُقال عن وجود تواطؤ أو موافقة روسية على قيام طيران العدو الصهيوني بقصف سورية.. أم أنّ ذلك لا أساس له من الصحة ومصدره وسائل الإعلام المعادية التي تسعى إلى تشويه حقيقة الموقف الروسي وبالتالي إثارة الفتنة بين موسكو وكلّ من دمشق وطهران؟

من نافل القول الإشارة إلى البون الشاسع بين العلاقات التي تربط ​روسيا​ بـ «إسرائيل» وتلك التي تربطها بكلّ من سورية و​إيران​… فالعلاقات الروسية الإيرانية السورية مبنية على تحالف استراتيجي يقوم على أساس مواجهة الهيمنة الأميركية الغربية الاستعمارية، والعمل لوضع حدّ لها في المنطقة والعالم، وإقامة نظام دولي متعدّد الأقطاب يقوم على احترام ميثاق ​الأمم المتحدة​ والقوانين الدولية وسيادة واستقلال الدول، ومواجهة ​الإرهاب​، المدعوم أميركياً وغربياً وإسرائيلياً، الذي يستهدف الدول الثلاث لتقويض وحدتها وإضعافها وصولاً إلى إسقاطها وتحويلها إلى دول فاشلة أو خاضعة للهيمنة الأميركية، ولهذا لو قدّر للحرب الإرهابية أن تنجح في تحقيق أهدافها في سورية لكانت هذه الحرب الإرهابية قد انتقلت إلى كلّ من روسيا وايران.. كما تجمع روسيا وسورية وإيران علاقات اقتصادية ومصالح مشتركة مبنية على التعاون والاحترام المتبادل.. وقد تجسّدت هذه العلاقات في ميدان القتال ضدّ قوى الإرهاب على الأرض السورية وفي اتفاقيات التعاون والتنسيق العسكري والأمني والاقتصادي وفي الاتفاقية السورية الروسية لإقامة قواعد عسكرية روسية في سورية وتحديداً في ​طرطوس​ و​اللاذقية​ مدتها 45 عاماً.. وإذا ما نظرنا إلى العلاقة الروسية الإسرائيلية نرى أنه ليس هناك أيّ أساس لعلاقات استراتيجية أو تحالفية تربط موسكو و​تل أبيب​، إنما علاقات عادية تعتقد موسكو أنها قد توفر لها في المستقبل إمكانية لعب دور مؤثر لتحقيق تسوية ما للصراع العربي الصهيوني، وعدم وجود أساس لعلاقات استراتيجية وتحالفية بين موسكو و​تل ابيب​ أمر طبيعي لأنّ «إسرائيل» هي ​القاعدة​ الأميركية المتقدّمة في قلب الوطن العربي، وهي أداة ​أميركا​ لتنفيذ مخططاتها الاستعمارية بفرض الهيمنة على العرب، وهي شريكتها في دعم الإرهاب وحياكة المؤامرات ضدّ استقرار سورية وإيران وحتى ضدّ روسيا الاتحادية.. وبالتالي فإنّ الحديث عن تواطؤ روسيا مع «إسرائيل» في عدوان الأخيرة ضدّ سورية لا يستند إلى أساس سياسي، بل على العكس فإنّ مصلحة روسيا إنما تكمن في الوقوف إلى جانب سورية وإيران لأنّ ذلك يصبّ في مصلحتها انْ كان لناحية كسر الهيمنة الأحادية الأميركية على العالم أو لناحية درء خطر الإرهاب التكفيري من الانتشار والتمدّد إلى اراضيها، أو لناحية مواجهة سياسة العقوبات الاقتصادية والمالية الأميركية التي تستهدف كلّ من روسيا وإيران وسورية لرفضها سياسات الهيمنة الأميركية…

أما مسألة التصدي للعدوان الصهيوني فإنّ هذا الأمر مرتبط بسورية وإيران اللتين تواجهان معاً في إطار حلف المقاومة الاحتلال الصهيوني، فيما دور روسيا يقتصر على دعم سورية بتزويدها بالأسلحة التي تمكّنها من الدفاع عن سيادتها وصدّ الاعتداءات الصهيونية وصولاً إلى ردعها.. وهي في هذا السياق زوّدت سورية بعدة منظومات صاروخية للدفاع الجوي هي «أس 200» المسماة بانتسر التي طوّرتها سورية، ومنظومة بوك، ومنظومة «أس 300» التي سلمت أخيراً للجيش السوري في أعقاب العدوان الصهيوني على مدينة اللاذقية والذي أدّى إلى سقوط طائرة روسية… وقد جرى لأول مرة، في مواجهة العدوان الصهيوني الأخير استخدام منظومة صواريخ «بوك» مع منظومة صواريخ «أس 200»، وقد أدّى ذلك إلى إسقاط معظم الصواريخ التي أطلقتها الطائرات الصهيونية وبالتالي إحباط أهدافها.. أما عدم استخدام منظومة «أس 300» فإنّ مردّه إلى أنّ منظومتي «أس 200» و«بوك» حققتا الغرض وليس هناك حاجة لأكثر… أو لأنّ الأطقم السورية التي تتدرّب على استخدام منظومة «أس 300» لم تنته تدريباتها بعد، ومن المتوقع أن تنتهي في آذار المقبل، ولهذا ذكرت مصادر روسية بأنّ منظومة «أس 300» ستكون جاهزة للعمل لدى ​الجيش السوري​ في آذار المقبل في رسالة لكلّ من حاول أن يشكك في موقف روسيا من هذه المسألة..

من هنا فإنّ التشكيك بالموقف الروسي في ما خصّ الموقف من العدوان الصهيوني على سورية إنما مصدره الأطراف المتضرّرة من موقف روسيا الداعم لسورية ومحاولة مكشوفة للنيل من العلاقة التحالفية التي تربط موسكو مع كلّ من دمشق وطهران، وإثارة الخلاف في ما بينهم، أو أقله تحريض جمهور حلف المقاومة على روسيا عبر اتهامها بالتواطؤ مع «إسرائيل» في مواصلة تنفيذ عدوانها..