منذ حلّ ما سُمّيت بـ"العقدة القواتية" في ملف تأليف ​الحكومة​، تنأى "​القوات اللبنانية​" بنفسها عن كل التفاصيل والكواليس وكأنّها لا تعنيها، بعدما قبلت "مُكرهَةً" بما عُرِض عليها من حصّة، وصفتها بـ"الظالمة"، تحت طائلة "التهديد" بإخراجها من الحكومة.

بالنسبة إلى "القوات"، الملفّ منتهٍ، وخير دليلٍ على ذلك أنّها استبقت الإنجاز الحكوميّ، بإعلان الحصّة التي حصلت عليها علناً، مرفقةً بأسماء الوزراء الذين اختارتهم مع الحقيبة المسنودة لكلٍ منهم، قبل أن يغادر رئيسها ​سمير جعجع​ البلاد، ويغيب أيّ "أثر" له، في عزّ استفحال الأزمة الحكوميّة.

مع ذلك، يعود اسم "القوات" إلى التداول بين الفينة والأخرى، في إطار الحديث عن الحلول المنتظرة. تارة، يتسرّب طرحٌ بسحب أحد وزراء "القوات" لحلّ العقدة السنّية، وطوراً يُحكى عن نيّة بتبديلٍ في الحقائب، لمنحها حقيبة الإعلام "المنبوذة" من الجميع، بدلاً من الثقافة، ما يطرح السؤال، هل يكون الحلّ من كيس "القوات" مجدّداً؟!.

"مكاسب" بالجملة؟!

صحيح أنّ "القوات" اختارت الغياب عن المشهد الحكوميّ بملء إرادتها منذ حلّ العقدة التي ارتبطت بها، إلا أنّها تعتبر أنّها حقّقت "مكاسب" بالجملة خلال الفترة الماضية، أطاحت من خلالها بكلّ ما قيل عن عرقلتها ​تشكيل الحكومة​، بل وتنفيذ "أمر عمليات" خارجي يقضي بتجميد الوضع الحكومي.

بالنسبة إلى ​القيادة​ "القواتيّة"، يكفي أنّ ثلاثة أشهر مرّت منذ حلّ ما سُمّيت بـ"العقدة القواتيّة" من دون أن تبصر الحكومة النور، حتى يتأكّد الجميع من "زيف" كلّ الادعاءات والاتهامات التي وُجّهت إلى "القوات" سابقاً بأنّها التي أخّرت عملية التأليف، حتى أنّ كثيرين ذهبوا لحدّ القول إنّه بمجرّد أن تُحَلّ العقدة "القواتية" تبصر الحكومة النور، فيما كانوا يخطّطون لزرع "ألغام" جديدة على طريق التأليف، إذا ما حُلّت.

ويعتبر "القواتيون" أنّ موافقة رئيس الحزب سمير جعجع على ما عُرض عليه، على رغم إدراك الجميع أنّه انطوى على "ظلم كبير"، شكّل مفاجأة لـ"المعطّلين"، ما حقّق لـ"القوات" مكسباً ثانياً لا يقلّ ربحاً صافياً عن الأول، خصوصاً أنّ أحداً من خارج دائرة "القوات" لم يقدّم أيّ "تنازلٍ" ملموسٍ وواضحٍ، بعيداً عن الشعارات الرنّانة، منذ ثمانية أشهر حتى اليوم، وما يحصل على خط "العقدة السنّية" خير دليلٍ على ذلك، باعتبار أنّها لا تزال تراوح مكانها منذ اليوم الأول، لأنّ كلّ الأطراف المعنيّين بها ينتظرون "التنازلات" من الآخرين.

ولعلّ المأخذ الأساسي لدى "القوات" على رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ يندرج ضمن "المكاسب" التي استطاعت تحقيقها أيضاً. فمع أنّ "الشيخ سعد يمون" كما يقول كثيرون في ​البيئة​ "القواتية" المناصرة للحريري، على رغم كلّ الاهتزازات التي شهدتها العلاقة في الآونة الأخيرة، إلا أنّ المُلاحَظ أنّ الرجل لم يتعامل بحزم وحدّة سوى مع "القوّات"، التي وجدت وحدها نفسها مضطرة للاختيار ما بين حصّة مفروضة عليها أو الانتقال إلى المعارضة، في أسلوبٍ لم يُعتمَد مع "​حزب الله​" مثلاً، أو سنّة "​اللقاء التشاوري​" الذين يقلّون في الحيثية الشعبية بأشواط عن "القوات".

"السيناريو" يتكرّر؟!

اكتفت "القوات اللبنانية" بالمكاسب التي حقّقتها، وغابت عن المشهد الحكوميّ إلى حدّ بعيد، باعتبار أنّها أنجزت ما عليها، وأنّ لا دور تؤدّيه اليوم قبل تشكيل الحكومة، مع تقديم "جرعة دعم" لرئيس الحكومة المكلف بين الآونة والأخرى، لاعتبارها أنّ "الضغوط" التي يتعرّض لها أكثر من قدرته على التحمّل، فضلاً عن أنّ توجيه أصابع الاتهام إلى "حزب الله" والمحور الذي ينتمي إليه يخدم أجندتها السياسية.

رغم ذلك، لا يزال اسم "القوات" يتردّد في المفاوضات الحكوميّة، تماماً كما حصل يوم ظهرت العقدة "​الأرمن​يّة"، بعد احتجاج حزب "​الطاشناق​" على إسناد "القوات" حقيبة لوزيرها الأرمنيّ خلافاً للأعراف التي تقتضي بحصول الأرمن على حقيبةٍ واحدةٍ تُسنَد إلى "الطاشناق" بوصفه الحزب الأقوى. يومها، لم تتأخّر "القوات" في "تيسير" الحلّ، من خلال إجراء تبديلٍ بسيطٍ في حقائب وزرائها، لتذهب حقيبة الدولة ضمن حصّتها إلى الوزير الأرمنيّ، لاعتبارها أنّها بذلك تضيف "مكسباً" جديداً إلى سجلّ "أرباحها".

إلا أنّ الأمور لم تقف عند هذا الحدّ، إذ عاد اسم "القوات" إلى "بورصة التداول" في الأيام القليلة الماضية، وسط حديثٍ عن اجتماعٍ "حاسم" يفترض أن يعقد بين الحريري وجعجع قبل نهاية الأسبوع وبعد عودة الرجلين من الخارج، ما دفع البعض إلى التساؤل عمّا إذا كان "السيناريو" الذي سبق أن حصل معها، يمكن أن يتكرّر من جديد، ليكون الحلّ من كيس "القوات" مجدّداً، أو لتُفرَض عليها "معادلات" جديدة، مشابهة لتلك التي سبقت.

وإذا كان ما حُكي عن حلّ عبر سحب أحد وزراء "القوات" من رصيد الحكومة، بحيث يحصل "​التيار الوطني الحر​" على وزير إضافيّ، فيضمن "الثلث"، ويوزّر وزير سنّي من "اللقاء التشاوري"، مجرّد "كلام في الهواء" برأي كثيرين، باعتبار أنّ تطبيقه "شبه مستحيل"، بل بمثابة "انتحار قواتي"، ثمّة من يتحدّث عن دور وارد لـ"القوات" على صعيد العقدة "المستترة" الثانية، عبر "مقايضة" يمكن أن تحصل على صعيد الحقائب.

وفي هذا السياق، تشير المعلومات إلى أنّ الحريري سيطلب من جعجع الاستغناء عن ​وزارة الثقافة​ واستبدالها ب​وزارة الإعلام​ التي يرفضها الجميع، خصوصاً بعدما أبدى رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ انفتاحاً لقبول حقيبة الثقافة أو ​الصناعة​ بدلاً من البيئة التي يصرّ عليها "التيار الوطني الحر"، لكنّه يرفض استلام حقيبة الإعلام، فيما يرفض "​الحزب التقدمي الاشتراكي​" التخلّي عن الصناعة. ومع أنّ هذا الموضوع سبق أن أثير في اجتماعٍ سابقٍ بين الحريري وجعجع، ورفضه الأخير وسط "تفهّم" من الحريري، ثمّة من يراهن على نغمة "العواطف" من جديد، باعتبار أنّ الحريري بدأ التلويح بخياراتٍ أخرى في حال عدم "الحسم" خلال الأسبوع، ما فسّره البعض على أنّه تهديدٌ جدّي بـ"الاعتذار"، هو الأول من نوعه منذ تكليفه تشكيل الحكومة.

"حصّة مضخّمة"؟!

قد لا يكون صحيحاً أنّ "القوات" قدّمت "تنازلاتٍ" أكثر من غيرها على طريق تأليف الحكومة، كما يقول الكثير من خصومها، باعتبار أنّها طلبت منذ البدء أكثر من حجمها، وأنّ حصولها على أربعة وزراء هو أصلاً "حصّة مضخّمة"، باعتبار أنّ كتلاً نيابيّة أكبر منها من حيث العدد لم تحصل على أكثر من ثلاثة وزراء.

مع ذلك، يمكن القول إنّ "القوات" عرفت كيف تتقن "لعبة الإعلام"، فحصدت "التعاطف"، باعتبار أنّ الأسلوب الذي اعتُمِد معها لم يُعتمَد مع أيّ من الأفرقاء الآخرين، لدرجة أنّ أحداً لن يقف في وجهها اليوم، في حال اعتبرت أنّ الأمور "مقفلة" بالنسبة إليها، ولا مجال لأيّ نقاشٍ في أيّ "مقايضات" أو "حلول"...