أوضح مقرر لجنة المتابعة اللبنانية لقضية الإمام الصدر ورفيقيه القاضي ​حسن الشامي​ أنه "بدل أن تتعاون الأجهزة الليبية مع اللجنة اللبنانية، فإنها وجّهت أخيراً رسائل تهديد للسفارة اللبنانية في ​طرابلس​، رداً على استفسارات لبنان عن مآل التحقيق المفترض إجراؤه مع قيادات أمنية تابعة للقذافي وموقوفين لديها، وهم على دراية كاملة بوقائع إخفاء الإمام الصدر".

وقدّم القاضي الشامي في حديث لـ"الشرق الأوسط"، الرواية الكاملة عن مراحل التفاوض مع الجانب الليبي. وقال إنه "بعد أسبوع من مقتل معمّر القذافي وسقوط نظامه، وتحديداً في مطلع شهر تشرين الأول 2011، توجّهت إلى العاصمة الليبية عن طريق القاهرة، وكانت قيادة السلطة انتقلت إلى ​مصطفى عبد الجليل​ الذي تولى رئاسة المجلس الوطني الليبي". وأردف أن عبد الجليل أبلغه بأن "قضية الإمام الصدر ستكون أولوية وطنية ليبية، وهذه مسؤوليتنا، ونحن شركاء في الظلم معكم". ثم أوضح أن عبد الجليل "شكّل لجنة ليبية لمتابعة القضية معنا، مؤلفة من وزير العدل والمدعي العام وممثل عن مكتب الرئيس (المجلس الوطني)، وقدّموا لنا وعوداً باستجواب موقوفين أساسيين، أبرزهم: ​عبد الله السنوسي​، وعبد الله حجازي، وفرج أبو غالية، وعبد الله منصور، وهؤلاء هم رؤساء الأجهزة الأمنية وقادة عسكريون من الصف الأول وضمن الحلقة اللصيقة ب​معمر القذافي​، وكان بعضهم في سدّة المسؤولية عند خطف وإخفاء الإمام الصدر". ورغم إعلان السلطات الليبية عن تعاونها الكامل في هذه القضية، فإن الوقائع على الأرض كانت مختلفة، وفيها كثير من اللامبالاة؛ إذ لم تفِ بوعدها باستجواب القادة الأمنيين الموقوفين لديها، ولم تسلّم اللجنة اللبنانية نتائج تحقيقاتها الموعودة.

ولفت الشامي إلى أن "وفداً قضائياً ​ليبيا​ً حضر إلى بيروت مطلع عام 2012، مؤلفاً من ثلاثة قضاة من مكتب المدعي العام، وقابل وزير العدل اللبناني (يومذاك) ​شكيب قرطباوي​، الذي حثهم على تسريع خطوات التحقيق. ثم اجتمعوا بعائلات المخطوفين وتعهدوا بالتعاون المطلق، وطلبوا موعداً لمقابلة النائب العام التمييزي القاضي ​سعيد ميرزا​. إلا إن الأخير رفض استقبالهم لأنه يعتبر أن الأزمة موجودة في ليبيا وليست في لبنان، وبالتالي، يجب أن يكون دورهم وعملهم في طرابلس". اللجنة اللبنانية اليوم تتهم نظيرتها الليبية بـ"المراوغة ومحاولة تضييع القضية، ونقلها إلى مسار الصفقات والتسويات المالية".

وشرح القاضي الشامي، مقرّر اللجنة اللبنانية، أنه "في 16 تموز 2012، أبلغتنا اللجنة الليبية بأنها عثرت على جثّة الإمام ​موسى الصدر​، فانتقلنا مع عائلته إلى ليبيا، وكان معنا الدكتور ​فؤاد أيوب​ (رئيس ​الجامعة اللبنانية​ حالياً) لإجراء فحوص الحمض النووي (DNA) وجرى إخراج الجثة ووضعها في البراد. وبعد أخذ وردّ لأيام طويلة، قرّروا إجراء هذا الفحص في جمهورية ​البوسنة والهرسك​ فوافقنا، وأتت النتيجة غير مطابقة". واستطرد قائلاً إن "هذه المماطلة والاعتراض الذي بدأ من قبلهم، أوصلانا إلى توقيع مذكرة تفاهم في 1 آذار 2014". ولفت الشامي إلى أن الجانب الليبي "أقرّ بموجب هذا الاتفاق بأن عملية الخطف حصلت في ليبيا من قبل معمّر القذافي وأركان نظامه، وأن الإمام الصدر لم يغادر طرابلس إلى روما، كما جاء في مزاعم نظام القذافي. ونصّت المذكرة على ثلاثة بنود أساسية، الأول: إجراء تحقيق مشترك والسماح لنا بطرح الأسئلة على الموقوفين الأمنيين. الثاني: البحث في كلّ السجون الليبية. والثالث: التواصل الدائم معنا وتبادل المعلومات".

وشدد القاضي الشامي على أن الليبيين "لم ينفّذوا واحداً في المائة من هذه المذكرة، وبسبب هذا التلكؤ، ذهبت في شهر آذار 2016 إلى ليبيا، وقابلت بعض الموقوفين من المقرّبين من القذافي، وطرحت بعض الأسئلة، لكني لم أتلق أجوبة كافية. ومنذ ذلك الوقت وفور عودتي من طرابلس قطعوا كلّ الاتصالات بنا"، متابعاً أنه "عندما أتى ​فايز السراج​ (رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية) إلى السلطة لم يقم بأي خطوة إيجابية تجاهنا". قبل أن يكشف عن أن وزير الخارجية الليبي محمد الطاهر سيّالا "أرسل كتاباً إلى ​السفارة اللبنانية​ في طرابلس، يتضمّن ما يكفي من التهديد رداً على مراجعاتنا المتكررة، وهذا الموقف يمكن ربطه بموقع سيّالا السابق، حيث كان يشغل موقع وكيل ​وزارة الخارجية​ الليبية وهو مقرّب من عائلة القذافي... وانطلاقاً من كلّ هذه الوقائع، تتحمل السلطات الليبية مسؤولية تمييع قضية الإمام الصدر، وعدم التزامهم، وأخلّوا بوعودهم".