لم يكن ما حصل في ​عرسال​ الأسبوع الماضي، لجهة خروج مجموعات من أهالي البلدة التي لطالما شكّلت بيئة حاضنة للنازحين السوريين وبوقت سابق لمقاتلي المعارضة، في مسيرات اعتراضيّة اتخذت طابعا عنيفًا، أمرا عابرا. فاذا كان الاحتجاج على تفاقم أعداد النازحين ومنافستهم اليد العاملة ال​لبنان​ية ظاهرة اعتدناها في الكثير من المدن والقرى اللبنانية، التي منذ البدء لم ترحّب بوجودهم وفرضت عليهم شروطا قاسية للسكن والعمل، الا أنّ ما يبدو مستغربا مؤخرا هو تمدّد الاحتجاجات الى "البيئات الحاضنة" التي يبدو انها أيضًا لم تعد قادرة على احتمال تحدّيات هذا ​النزوح​ المستمر منذ نحو 7 سنوات.

واذا كان هناك من يربط هذه التحركات، التي طالت الاسبوع الماضي عرسال و​بعلبك​ وتم العمل على تنظيم بعضها في ​الشمال​ وبالتحديد في منطقة ​وادي خالد​، بخطّة لزيادة الضغوط على النازحين ما سيدفعهم للعودة الى بلدهم، يرى البعض الآخر أن ما يحصل يندرج في السياق الطبيعي للأمور. فالأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة المتردّية للبنانيين والتي بلغت مستويات غير مسبوقة جعلتهم يلتفتون الى أحد أسباب الأزمة التي يرزحون تحتها والتي يعتقدون انهم قادرون على التأثير فيها، لذلك لم يتردّدوا بالتصويب على النازحين الذين يفوق عددهم في عرسال مثلا عدد سكان البلدة الاصليين.

وقد استوعبت الأجهزة الأمنيّة سريعا ما شهدته عرسال مطلع الأسبوع الماضي والذي كاد أن يتحوّل الى ​انفجار​ اجتماعي وأمني لو خرج النازحون بأعداد كبيرة ليتواجهوا مع أهالي البلدة. وتتابع ​مفوضية اللاجئين​ عن كثب هذه المستجدات، وهو ما أشَارت اليه الناطقة باسم المفوضيّة في لبنان ليزا أبو خالد التي قالت انهم يجرون اتصالات منتظمة مع السلطات اللبنانيّة لمتابعة أحوال النازحين واللبنانيين على حدٍّ سواء، بعد تلقّيهم تقارير عن تصاعد التوتر بين المجتمعين اللبناني المضيف والسوري النازح، لافتة الى ان النازحين أبلغوا المفوضيّة بأن الخوف والقلق ينتشر بينهم نتيجة للتظاهرة التي شهدتها عرسال والتوتّرات المتصاعدة.

وأشارت أبو خالد في حديث لـ"النشرة" الى أن المفوضيّة تدعو إلى التعايش السلمي بين المجتمعين اللبناني والسوري في عرسال، موضحة أن السلطات والأجهزة الأمنيّة أكدت أنه تتم مراقبة الوضع حسب الأصول. وشدّدت على أنه في الوقت الذي تعمل فيه المفوضيّة مع جميع السلطات المعنيّة في لبنان و​سوريا​ والمنطقة لإزالة العقبات التي يراها النازحون تمنع عودتهم إلى سوريا، يجب الحفاظ على كرامة وسلامة النازحين في لبنان. وتابعت انه "من المهم السيطرة على التوترات والتحريض على ​العنف​ لضمان بيئة سلميّة للمجتمعين". وأوضحت أن المفوضية والمنظمات الأخرى ستواصل تقديم الدعم لكل من اللبنانيين والسوريين.

وقد بات المتمسّكون من أهالي عرسال ببقاء ​النازحين السوريين​ في البلدة أقليّة، كما تؤكّد مصادر معنيّة، لافتة الى انّ معظم السكان يؤكدون انهم دفعوا قسطهم للعلى وقاموا بما يقتضيه الواجب الانساني والاخلاقي وزيادة. وتشير المصادر الى انه بعدما شعر العرساليّون الذين لم يتردّدوا في مطلع الازمة السوريّة بتحويل بلدتهم "قاعدة خلفيّة" لمقاتلي المعارضة، بأنّ مصيرهم ومصير أولادهم بات على المحك، قرروا الانتفاضة.

بعض الانتفاضات التي نراها فعليًّا على الارض ستُترجم قريبا بقرارات سياسيّة بدأت ملامحها تتبلور شيئا فشيئا. فالقوى المحليّة التي كانت لا تزال حتى الامس القريب تعتبر ورقة النزوح رابحة ترفض التنازل عنها، أيقنت اخيرا وبعد خروج مناصريها الى الشوارع، انها باتت ورقة تحرق يديها، وستلقي بها قريبا حتى ولو كان ذلك لن يرضي حلفاءها الاقليميين والدوليين.